في اليوم العالمي للإذاعة هنا دمشق.. (التي لم تعد دمشقَ)

دمشق (انترنت)
دمشق (انترنت)

يصادف اليوم 13 شباط يوم الإذاعة العالمي، والذي يعتبر حدثاً عالمياً احتفاءً في هذه الوسيلة المسموعة، ودورها في إرساء مفهوم الاعلام الهادف، والجاد، ونجاحها في البقاء رغم تغيّر العصر، والتطور اللافت في وسائل الإعلام، ذلك بفضل قدرتها على التنوع ومواكبة التغييرات إلى زمننا هذا.

وفي يوم الثالث من فبراير عام 1946، بدأ أول إرسال لإذاعة دمشق، لتكون ثاني إذاعة عربية بعد إذاعة العرب في القاهرة، لتنتقل إلى أول بناء مستقل عام 1947، بغرفتين بشارع بغداد تتبع إدارياً لدائرة البرق والبريد آنذاك، يديرها أحد أهم مؤسسيها الشاعر والإعلامي الأمير يحيى الشهابي، أول من قال بصوته الرخيم: "هنا دمشق".. فانطلق صوت الشهابي مفتتحاً بث الإذاعة، قائلاً: "أيها الشعب الكريم، يا شعب البطولات والتضحية، هذه إذاعتك، إذاعة الجمهورية السورية من دمشق، إذاعة القومية العربية، إذاعة كل العرب، تنقل صوتها إليك في أعيادك، الإذاعة السورية من دمشق تتحدث إليك" حيثُ كانت الإذاعة تولي اهتماماً كبيراً للغة العربية، من خلال البرامج المميزة، سليمة المحتوى، ثقافياً ومعرفياً ولغوياً.

وصل بث إذاعة دمشق لكل الأراضي السورية، بما فيها الجولان، وأطراف الدول المجاورة، ونجحت في طرح قضايا وطنية، وأخرى قومية، وعالجت مشكلات اجتماعية، بطرحها البناء، بأخلاقيات المهنة التي كانت دستوراً لكل العاملين في الإذاعة.

توالت بعدها افتتاح منصات إذاعية كإذاعة حلب 1956، وهي محلية مخصصة لمدينة حلب وضواحيها، وإذاعة صوت الشعب 1979، ليتحول بعدها الإعلام الإذاعي من إعلام هادف سليم المحتوى، عربي النطق، إلى إعلام تحت سلطة القيادة وتوجيهاتها، وتحت سلطة الحزب الواحد وإمرته بلسان أعوج مسوقاً للّهجات ومبتعداً عن اللغة العربية.

أسهمت إذاعة دمشق في إنتاج البرامج الحوارية والمسلسلات الدرامية الإذاعية، ساهم في تقديمها عدد من الرعيل الأول كتيسير السعدي، وأنور البابا، وفهد كعيكاتي، وأول صوت نسائي لهدى الشعراوي، وكان للإذاعة دوراً كبيراً في ظهور أسماء سورية فنية وعربية كفيروز، وعبد الحليم، وغيرهم.

"هنا دمشق" العبارة الأقرب إلينا جميعاً، فذاكرتنا لا زالت تحتفظ بصوت مخلص الورار وفريال أحمد، حينما يقولانها، وقبلهما، صباح قباني، عادل خياطة، وطالب يعقوب، وأسماء إعلامية إذاعية لامعة، كانت تؤمن بدور الإعلام ورسالته.

"هنا دمشق" الذاكرة المتشحة بالبياض، لكل سوري، كان يملك مذياعاً صغيراً، ويحتفظ به كأحد أولاده، مرآته للعالم، ونافذته التي يرى بها العرب، والقومية، وأخبار الانتصارات، والانتكاسات، نافذة الوجع في تشرين، وحزيران عام 1967، وصوت المأفون حافظ الأسد وهو يذيع خبر سقوط القنيطرة قبل سقوطها، وتسليم الجولان لإسرائيل، ذاكرة الوجع حينما أعلنوا أن إسرائيل هدّمت القنيطرة، ليكتشف الأهالي بعدها أنَّ مَن فجّر البيوت هم "الأمن العسكري" ودائرته الضيقة المرتبطة بحافظ الأسد، وبأوامر منه، ليكون المقابل الجلوس على كرسي الحكم، وتوارثه.

دمشق التي لم تعد دمشقَ،  أصبحت اليوم بفعل حكم عائلة الأسد عاصمة القهر، والجوع، و"اللطميات" من الست زينب، إلى الجامع الأموي، دمشق الأمويين، التي أصبحت ثأراً للمارقين، دمشق التي تتكئ على الحضارة أصبحت عرجاء بفعل مجرم سفاح قتل ودمّر أهلها، وشرّد أبناءها، في الغوطتين، وجوبر وداريا.

صوت الإذاعة الدمشقية الذي سمعه كل العرب، بلغة عربية نقيّة، أصبح صوت الإجرام، والترويج للقتلة، وتمرير مشاريعهم، وغسل أدمغة السوريين، صوت الذلّ والقهر، والنكبات، والطعنات، التي تلقّاها أبناء دمشق، وحلب، وحمص، والقنيطرة ودرعا، ودير الزور، وكل المدن والبلدات السورية على امتداد الجرح، ... وامتداد "الوطن".


فادي الأصمعي

صحفي ورسام كاريكاتير سوري

عضو ملتقى الأدباء والكتاب السوريين

مدير تحرير السوري اليوم