ما أكثر عثرات أمريكا في سياساتها الخارجية التي تتسم لأي مراقب بتقلبات كثيرة، واخفاقات في أكثر من مكان وطأته أقدام المارينز. فهي فشلت في حرب الكوريتين، وفي حرب فيتنام، وفي أفغانستان حيث كان هدفها القضاء على القاعدة والطالبان، القاعدة مازالت موجودة، وإن بشكل أضعف، والطالبان أسياد في أفغانستان، وواشنطن اضطرت بعد عقدين من غزوها الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع طالبان التي تهدد اليوم ببسط سيطرتها على كل أفغانستان. في إيران ومنذ استيلاء الملالي على السلطة والولايات المتحدة تولي لها اهتماما خاصا حسب نظرية مارتن انديك في الاحتواء المزدوج ( أي احتواء إيران والعراق)، للسيطرة على منابع النفط كما أوصى الزعيم الروحي للمحافظين الجدد الفيلسوف ليو شتراوس، لكنها أيضا فشلت في الاحتواء المزدوج، فاليوم تنسحب من العراق بعد خسارة مئات المليارات، عدا عن عدد كبير من الجنود القتلى، أما العراق فوضعه أسوأ بكثير من بداية الغزو الأمريكي. تعتبر فلسطين المحتلة أكثر البلدان العربية تضررا من السياسة الأمريكية منذ إنشاء دولة الاحتلال في العام 1948، وكادت القضية الفلسطينية أن تصبح من ذكريات التاريخ المؤلمة عندما قامت إدارة دونالد ترامب بإطلاق صفقة القرن بصفاقة، لتنهي كل مطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في بناء دولته وعاصمتها القدس الشريف. وجاءت إدارة بايدن لتضع حدا لهذه الصفقة حسب التوجهات الجديدة، وهذا ما أكده وزير الخارجية أنتوني بلينكن في زيارته الأخير لرام الله. وتصحيح المسار في التأكيد على حل الدولتين.
سياسة واشنطن في سوريا تعتبر الخطأ الأكبر في الاستراتيجية الأمريكية لعدة أسباب، فعدم التحرك حسب مقولة الخطوط الحمر للرئيس باراك أوباما عندما ارتكب بشار الأسد مجزرة الغوطة الكيميائية في العام 2013، وتفضيل توقيع الاتفاق النووي مع إيران على حساب الثورة السورية جعل من هذه الأخيرة أن تتمكن من استكمال القوس الشيعي طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت واقتراب فيلق القدس أكثر من الحدود السورية الإسرائيلية، وهذا ما جعل إسرائيل تشن هجمات شبه يومية على مواقعه في سوريا. وقد صرح أكثر من مسؤول إيراني أن طهران باتت تسيطر على خمس دول عربية. وبسبب ترك واشنطن الساحة السورية فارغة جعلت من ناحية اخرى، استفحال أمر تنظيم الدولة، ثم جاء التدخل الروسي في العام 2015 ليحقق أكبر انتصار له بوصوله إلى المياه الدافئة، وبناء قواعد عسكرية وبحرية قادرة على تنفيذ غارات بأسلحة نووية، كما صرح فلاديمير بوتين في رسالة موجهة لواشنطن قبيل لقائه بجو بايدن. هذا بالإضافة لإعطاء الضوء الأخضر للنظام السوري باستمرار هجماته الكيميائية، وقتل أكثر من نصف مليون سوري، وتهجير سبعة ملايين آخرين، وتدمير المدن السورية. سياسة دونالد ترامب لم تكن أفضل فمجزرة خان شيخون الكيميائية في نيسان / أبريل 2017 كانت كمثيلتها في الغوطة الشرقية حيث استخدم النظام غاز السارين في قتل المدنيين وجلهم من الأطفال، فترامب الذي وصف بشار الأسد بالحيوان بعد هذه المجزر كان رده " رفع العتب" ببضع صواريخ كروز على مطار الشعيرات الذي سرعان ما تم إصلاح الثغرة الصغيرة التي أحدثها أحد الصواريخ التائهة. وهذه الثغرة الصغيرة كانت بمثابة ثغرة كبيرة في السياسة الامريكية في الشرق الأوسط برمته. إذ فسحت المجال واسعا للدول الإقليمية التدخل في الشأن السوري، وروسيا التي تعتبر اليوم سورية من محمياتها المقدسة.