إيران بين المأزق النووي والانقسام الداخلي: هل يقترب النظام من حافة الانهيار؟

خامنئي
خامنئي

المقدمة

في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالنظام الإيراني، عاد ملف التفاوض النووي إلى الواجهة مجددًا، خصوصًا بعد رسالة الرئيس الأمريكي الأخيرة وتصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي في 12 مارس 2025، التي أكدت رفض أي مفاوضات مع واشنطن. في المقابل، يحاول الرئيس السابق حسن روحاني إعادة طرح فكرة التفاوض كحل للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة، رغم المعارضة الشديدة من التيار المتشدد داخل النظام.

هذا التباين في المواقف يعكس الانقسام العميق داخل القيادة الإيرانية، حيث يجد النظام نفسه محاصرًا بين أزماته الداخلية المتفاقمة والغضب الشعبي المتصاعد. فهل يستطيع النظام الصمود في وجه هذه التحديات، أم أن الانقسامات الداخلية والأوضاع الاقتصادية المتدهورة ستدفعه إلى نقطة اللاعودة؟

الموقف المتشدد: خامنئي وإغلاق باب التفاوض

في 12 مارس 2025، أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي رفضه القاطع لأي مفاوضات مع الولايات المتحدة، معتبرًا أن الحوار مع واشنطن لن يؤدي إلى رفع العقوبات، بل سيزيد من تعقيد الأوضاع وإضعاف النظام. هذا الموقف عززه أئمة الجمعة الموالون له، مثل أحمد علم الهدى في مشهد والملا نوري في بجنورد، الذين حذروا من “مؤامرة” تقف خلف دعوات التفاوض.

يؤكد هذا النهج أن خامنئي يفضل تبني سياسة الانغلاق والتصعيد بدلًا من تقديم أي تنازلات قد تُفسَّر على أنها ضعف. لكن في ظل التدهور الاقتصادي الحاد، يبقى السؤال: إلى متى يمكن للنظام الصمود دون حلول حقيقية؟

صراع الأجنحة: روحاني ومحاولات إحياء التفاوض

على الجانب الآخر، خرج الرئيس السابق حسن روحاني ليحذر من “الظروف الخطيرة” التي يواجهها النظام، مشددًا على أن الحل الوحيد يكمن في العودة إلى طاولة المفاوضات. تصريحات روحاني لم تكن مجرد رأي شخصي، بل تعكس تيارًا داخل النظام يرى أن رفض التفاوض سيؤدي إلى مزيد من العزلة الاقتصادية والسياسية.

لكن هذه الدعوات قوبلت بردود فعل غاضبة من أنصار التيار المتشدد، الذين يعتبرون روحاني ومؤيديه “عناصر مخترقة” تسعى لإضعاف النظام من الداخل. هذا الصراع بين جناحي النظام يعكس حالة من التوتر الداخلي المتصاعد، ما يجعل القيادة الإيرانية تبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

غضب شعبي متزايد: برميل بارود قابل للانفجار

وسط هذه الانقسامات، يعيش الشارع الإيراني حالة من الاحتقان المتزايد بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي تسببت في ارتفاع الأسعار، وتفاقم معدلات الفقر، ونقص المياه والوقود والكهرباء. الاحتجاجات المتفرقة التي تشهدها بعض المدن قد تكون مجرد مقدمة لانفجار شعبي واسع النطاق، خاصة إذا استمر تجاهل المطالب المعيشية الملحّة.

روحاني نفسه حذر من أن “الأوضاع تزداد سوءًا”، وهو تحذير يعكس الخوف المشترك داخل أجنحة النظام من انتفاضة جديدة قد تكون أشد تأثيرًا من سابقتها. لكن بينما يرى البعض في التفاوض مخرجًا، يخشى المتشددون أن يؤدي أي تنازل إلى تفكك النظام من الداخل، ما يضع القيادة الإيرانية أمام معادلة صعبة بين الاستمرار في التشدد أو مواجهة خطر الانهيار.

الخاتمة

إيران اليوم في مواجهة أزمة وجودية غير مسبوقة، حيث يتفاقم الانقسام داخل النظام بين من يرفضون التفاوض بشدة، ومن يرون فيه الحل الوحيد للخروج من العزلة. وبينما يحاول خامنئي الحفاظ على قبضته الحديدية، يتنامى الغضب الشعبي الذي قد يتحول إلى موجة احتجاجات كبرى تهدد بقاء النظام.

المستقبل القريب يحمل الكثير من التساؤلات حول قدرة النظام على احتواء أزماته، لكن المؤكد أن استمرار الوضع الحالي دون حلول عملية سيجعل النظام أكثر هشاشة، ويفتح الباب أمام احتمالات تغيير كبرى قد تعيد رسم المشهد السياسي الإيراني بالكامل.