لبنان على صفيح ساخن: تراجع حزب الله وفشل استراتيجيات إيران الإقليمية

طائرة إيرانية
طائرة إيرانية

يشهد لبنان مرحلة حساسة من تاريخه، إذ تواجه البلاد أزمات سياسية واقتصادية متفاقمة، بينما يتلقى حزب الله، الذراع العسكري والسياسي الأبرز لإيران، ضربات قاسية تهدد نفوذه. التصعيد الأخير، وما تبعه من هجمات إسرائيلية مكثفة، كشف عن ضعف الحزب وفشل استراتيجية إيران في ترسيخ هيمنتها عبره.

خسائر فادحة لحزب الله وانهيار النفوذ الإيراني

منذ الثمانينيات، اعتمد حزب الله على التمويل والتسليح الإيراني ليصبح قوة حاسمة في لبنان. لكن خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد المواجهات العنيفة مع إسرائيل في 2024، تكبد الحزب خسائر غير مسبوقة، أبرزها مقتل قادته العسكريين، مثل حسن نصرالله، وتدمير بناه التحتية في جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية. التقارير تشير إلى مقتل أكثر من 4000 عنصر من الحزب وخسائر مادية تتجاوز 3 مليارات دولار، ما جعل إعادة بناء قدراته أمرًا صعبًا في المستقبل القريب.

على المستوى الإقليمي، تمثل هذه التطورات نكسة استراتيجية لإيران، التي استثمرت لعقود في حزب الله كأداة نفوذ في المنطقة. لكن الضربات الإسرائيلية المتكررة وقطع خطوط الإمداد عبر سوريا بعد سقوط نظام الأسد أضعفا قدرة طهران على الحفاظ على هذا الذراع العسكري. هذا الوضع يؤكد هشاشة استراتيجية إيران القائمة على الوكلاء المسلحين في مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية.

لبنان بين الانهيار والغضب الشعبي

داخليًا، فاقمت الأوضاع العسكرية الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها لبنان. فبعد الانهيار المالي الذي تفاقم منذ 2019، يواجه اللبنانيون اليوم أوضاعًا أكثر سوءًا مع الدمار الواسع في المناطق الشيعية، التي كانت تعد معاقل رئيسية لحزب الله.

في الوقت ذاته، تزايد السخط داخل بيئة الحزب، حيث يشعر العديد من أنصاره بأن الدخول في حرب مع إسرائيل كان قرارًا غير محسوب، يخدم المصالح الإيرانية أكثر من المصلحة الوطنية اللبنانية. تراجع النفوذ السياسي لحزب الله بدا واضحًا مع صعود تيارات سياسية معارضة، أبرزها حكومة “الإصلاح والإنقاذ” بقيادة نواف سلام، التي جاءت لتكسر هيمنة الحزب التقليدية على القرار السياسي اللبناني.

انعكاسات دولية: إيران تحت ضغط داخلي وخارجي

فشل إيران في حماية نفوذ حزب الله له تداعيات داخلية أيضًا، إذ يواجه النظام الإيراني احتجاجات متزايدة نتيجة الإنفاق الهائل على حروب الوكلاء في المنطقة، بينما يعاني الشعب الإيراني من أزمة اقتصادية خانقة. كما أن المعارضة الإيرانية، سواء داخل البلاد أو في الشتات، باتت أكثر نشاطًا، مستفيدةً من تراجع نفوذ النظام خارجيًا.

في ظل هذه المتغيرات، يبدو أن لبنان يسير نحو مرحلة جديدة قد تعيد تشكيل خريطته السياسية، فيما يواجه حزب الله وإيران واقعًا لم يختبراه من قبل: انحسار القوة وفقدان الهيمنة.