شهدت إيران سلسلة احتجاجات واسعة النطاق في مختلف المدن، حيث تجمعت شرائح متعددة من المجتمع للتعبير عن استيائهم من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والممارسات الحكومية المثيرة للجدل. المتقاعدون، العمال، والعديد من الفئات الأخرى رفعوا أصواتهم في مواجهة الفساد والظلم، مطالبين بتحسين الظروف المعيشية والمحاسبة.
تصاعد الاحتجاجات في مختلف المدن
في أصفهان، مركز إيران الصناعي، تظاهر متقاعدو قطاع الصلب مطالبين برفع معاشاتهم لتتوافق مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وهتفوا: “حقوقنا المسلوبة لن تُعاد بالصمت!” في إشارة إلى تدهور قدرتهم الشرائية وتجاهل الحكومة لمطالبهم المتكررة.
وفي الأهواز، جنوب غرب البلاد، تجمع المئات من متقاعدي منظمة الضمان الاجتماعي والعمال المتعاقدين في قطاع النفط. رفعوا شعارات مثل: “التضخم يقتلنا، والسياسات تعمق الفقر!” حيث سلطوا الضوء على الأزمات التي تعصف بالمجتمع الإيراني.
أما كرمانشاه في الغرب، فشهدت احتجاجات نظمها متقاعدو الاتصالات والقطاع العام، مطالبين بوعود حكومية لم تُنفذ. في حين شهدت بوشهر، الواقعة جنوب البلاد، مسيرات نظمها المعلمون المتقاعدون احتجاجًا على تأخير مستحقاتهم.
وفي خرمشهر، استمر عمال شركة “أفق إيران” في إضرابهم الذي دخل يومه الثالث عشر، مطالبين بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل، مما يعكس أجواء الغضب السائدة في القطاع الصناعي.
أزمة اقتصادية تفاقم الاحتجاجات
تشهد إيران أزمة اقتصادية خانقة تتفاقم بسبب إنفاق الحكومة على مغامراتها الإقليمية. تقارير تشير إلى إنفاق مليارات الدولارات لدعم نظام الأسد والميليشيات المسلحة في العراق ولبنان واليمن، بالإضافة إلى التكاليف الباهظة للبرنامج النووي. هذه السياسات تركت الشعب الإيراني يرزح تحت وطأة التضخم والفقر.
ارتفاع أسعار السلع الأساسية وضعف القدرة الشرائية زاد من معاناة الإيرانيين، مما دفع فئات متزايدة للخروج إلى الشوارع. المواطنون، الذين باتوا يشعرون أنهم يدفعون ثمن مغامرات النظام الخارجية، يطالبون بوقف استنزاف موارد البلاد على حساب معيشة الشعب.
تضامن شعبي غير مسبوق
ما يميز الاحتجاجات الأخيرة هو حالة التكاتف بين مختلف الفئات الاجتماعية. العمال، المتقاعدون، والطلاب وجدوا في المعاناة المشتركة سببًا للوحدة، مما يخلق جبهة شعبية قوية في مواجهة السياسات الحكومية. شعارات مثل “معًا من أجل العدالة” أصبحت تعبيرًا عن إرادة جماعية لم تعد تقبل بالظلم.
تحديات أمام النظام
النظام الإيراني يواجه أزمة شرعية متزايدة في ظل استمرار الاحتجاجات وتصاعد مطالب الشعب. محاولات الحكومة لاحتواء الغضب الشعبي عبر وعود فارغة لم تفلح في تهدئة الشارع. المظاهرات تعكس رفضًا عامًا لسياسات النظام الاقتصادية والإقليمية، مما يضع القيادة الإيرانية أمام مفترق طرق.
مع استمرار الاحتجاجات واتساع رقعتها، يبرز تساؤل أساسي: هل ستتمكن السلطات من الاستجابة لمطالب الشعب أم ستدخل البلاد في مرحلة جديدة من الاضطرابات؟ الاحتجاجات الحالية قد تكون بداية لتحولات كبيرة في المشهد السياسي والاجتماعي الإيراني، حيث يصر المواطنون على أن حقوقهم لا يمكن أن تنتزع إلا بالوقوف صفًا واحدًا أمام الظلم.
مستقبل الاحتجاجات
مع استمرار ارتفاع وتيرة التضخم وتدهور الأوضاع الاقتصادية، يبدو أن الاحتجاجات ستستمر بل وربما تتصاعد. هذا التحدي يفرض على النظام الإيراني اتخاذ خطوات جادة لمعالجة الأزمات المتراكمة. ومع ذلك، فإن انعدام الثقة بين الشعب والنظام يظل عقبة كبيرة أمام تحقيق أي حلول مستدامة.
وفي الوقت الذي تتردد فيه أصوات المحتجين في شوارع المدن الإيرانية، تتضح رسالة الشعب: المطالبة بالعدالة والشفافية وإصلاح جذري للنظام السياسي والاقتصادي. الطريق إلى الأمام يبدو محفوفًا بالمخاطر، لكن ما هو واضح أن الشعب الإيراني لم يعد مستعدًا للتراجع عن حقوقه.