سوريا والقطب العالمي الجديد

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الأخير للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف (إنترنت)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الأخير للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف (إنترنت)

ما إن خففت جائحةُ "كوفيد -19" قبضتَها، وأصبحت اللقاءاتُ الواقعيةُ أقلَّ خطراً على حيوات المتلاقين، حتى انطلق ثعلب السياسة الخارجية الروسية – سرغي لافروف، في زيارات وجاهية تهدف إلى تنفيذ حلم الرئيس – فلاديمير بوتين، في إنشاء عالم متعدد الأقطاب يكون لروسيا الاتحادية فيه موقعٌ معدِّل لموقع الولايات المتحدة الأمريكية.

المتتبعُ لسياسة بوتين منذ أن أصبح الرقم الأول في روسيا (في أول يوم من الألفية الثالثة) لا بد أنه لاحظ حنينَه (حنين بوتين) للحقبة السوفياتية، وأنه لَمَسَ سعيَه لاستعادة أمجاد الدولة العظمى. هناك من المؤشرات والأدلة الكثير؛ فمنذ أيامه الأولى في الرئاسة، أمر بوتين بإعادة النظر في النشيد الوطني، الذي اعتُـمِدَ في حقبة يلتسين، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. حيث تم الإعلان عن مسابقة لكتابة نصٍّ للنشيد الوطني، يلائم موسيقى النشيد الوطني للدولة السوفياتية. وبعد ذلك باشر بالعمل على تقوية العلاقات مع عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة، وعلى تنمية العلاقات مع الدول التي كانت حليفةً للاتحاد السوفياتي، والتي أدارت لها إدارة يلتسين إظهارها. فانتعشت العلاقات مع الصين ومع الكثير من بلدان ما يسمى بالعالم الثالث.

حاولت إدارة بوتين إنعاش العلاقات مع كل من سوريا وليبيا والعراق، اللاتي كُنَّ يدُرْنَ في الفلك السوفياتي. بيد أن بشار الأسد، الذي كان غربيّ الهوى ارستقراطيّ النزعة، لم يُبدِ حماساً لاستئناف التحالف مع روسيا. القذافي هو الآخر كان يسعى لاسترضاء الغرب، فاعترف (في عام 2003) بالمسؤولية عن "عملية لوكربي" ودفع مبلغ 2,7 مليار دولار كتعويضات لعائلات ضحايا تفجير الطائرة، وكشف أسرار برامجه الخاصة بأسلحة الدمار الشامل. أما نظام صدام حسين فكان مسلوب الإرادة، لأنه كان يئن تحت عقوبات هي الأقسى من نوعها في التاريخ.

مثّلتْ أحداثُ "الربيع العربي" هدية ثمينة للنظام الروسي. حيث راحت وسائل إعلامه وحليفاتُها تتهِم الغربَ بإثارة المواطنين ضد حكامهم الشرعيين، وبالتسبب بكل ما حلّ بمواطني العراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس ومصر من كوارث. وبهذا استطاع (نظام بوتين) أن يكسب حلفاء عرباً جدداً من الأوساط المناهضة لثورات الربيع العربي. إذ شهدت علاقات روسيا مع مصر تطوراً نوعياً، منذ أن أخمد الرئيس عبد الفتاح السيسي جذوة الثورة المصرية. وتطورت علاقات روسيا مع كل من السعودية والإمارات وقطر والبحرين والأردن بشكل ملموس.

في الـ30 من أيلول/سبتمبر 2015 بدأ حلم بوتين يشغل حيزاً ملموساً في الساحة السياسية الدولية. ومع كل شهر مرّ على التدخل العسكري الروسي المباشر في الصراع السوري، ازداد هذا الحلم تبلوراً. وتأتي زيارات لافروف إلى الإمارات والسعودية وقطر (من 10 حتى 13 آذار/مارس الماضي) ثم إلى الصين (في 22 و23 مارس الماضي) ثم إلى مصر (يوم 12 نيسان/أبريل الجاري) ثم إلى إيران (في 13 نيسان/أبريل الجاري)، لتضع الخطوط العريضة لحلف جديد؛ مناصرٍ لنظام الأسد، لتكون قضية الشعب السوري أحد أكبر الخاسرين من ظهوره.