روسيا تفرض نفسها لاعباً قوياً على الساحة الدولية بفضل قدراتها الاستراتيجية

من اللقاء بين الرئيسين بوتين وماكرون (انترنت)
من اللقاء بين الرئيسين بوتين وماكرون (انترنت)

في ساعة متأخرة من ليل الإثنين - الثلاثاء، وبعد محادثات ماراثونية؛ عقدت في موسكو، واستمرت أكثر من 6 ساعات، عقد الرئيسان؛ الروسي – فلاديمير بوتين، والفرنسي – إيمانويل ماكرون، مؤتمراً صحفياً ليُطلعا المجتمع الدولي على نتائج تلك المحادثات.

أكد كل من الرئيسين، في الـ"إيجاز" الذي قدمه، أن موضوع التوتر القائم على حدود أوكرانيا مع كل من روسيا وبيلوروس، استحوذ على حصة الأسد من وقت المفاوضات. ورغم ذلك، بحث الرئيسان قضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك – الاستقرار الاستراتيجي، الضمانات الأمنية التي طلبتها روسيا من الولايات المتحدةن ومن "منظمة حلف شمال الأطلسي" (ناتو)، والملف النووي الإيراني، وتواجد الشركة الأمنية الروسية "فاغنر" في العديد من الدول الأفريقية، وخاصة في جمهورية مالي، والوضع في ليبيا.

أما الموضوع السوري فقد غاب تماماً عن طاولة المفاوضات!!!

وبالعودة إلى البند الرئيسي في المفاوضات الموسكوفية المذكورة، يجب توضيح أن القيادة الأوكرانية قررت عدم مواصلة السكوت على الوضع القائم في إقليم "دونباس" (حوض نهر دون) الذي يشمل مقاطعتي "دونيتسك" و"لوهانسك"، وبدأت تعد العدة لإنهاء التمرد، واستعادة السيطرة على حدود البلاد مع روسيا في تلك المنطقة.

أما روسيا، فأعلنت أنها لن تترك – "تحت رحمة العنصريين الأوكران" - تلك المنطقة التي يشكل الروس غالبية سكانها، البالغ عددهم حوالي 3 ملايين و700 ألف نسمة، ناهيك عن أن أكثر من 600 ألف شخص يحملون الجنسية الروسية. وللتأكيد على جدّيّة موقفها، بدأت روسيا تحشد قوات ضخمة على الحدود مع أوكرانيا.

خشي "الغرب" (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) أن تقوم جهةٌ ما بعمل استفزازي ما، فتستغله روسيا لتجتاح أوكرانيا وتُـنَصّب في كييف نظاماً موالياً لها، خاصة وأن نسبةً لا يستهان بها من المجتمع الأوكراني، لا تزال تفضل التقارب مع روسيا على التوجه غرباً.

وعلى خلفية هذه المخاوف، بدأت تصدر عن الغرب تحذيرات لروسيا من مغبة احتلال أي شبر من الأرض الأوكرانية. وهنا فتح الروس ملف "الاستقرار الاستراتيجي" على أوسع نطاق. إذ يرى الروس أن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة "الدفاع الصاروخي" (سنة 2002)، ثم من معاهدة "الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى" (سنة 2019) ثم من معاهدة "الأجواء المفتوحة" (سنة 2020) وضم العديد من دول وسط وشرق أوروبا إلى حلف الناتو، أحدثا خللاً كبيراً في الاستقرار الاستراتيجي. وأعلن الروس أن ضم أوكرانيا إلى الحلف يشكل تهديداً مباشراً لأمن بلادهم. وأوضح بوتين نفسه هذه النقطة بالقول:

"عندما تنضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، ستصبح مشمولة بالبند الخامس من النظام الداخلي للحلف، الذي يفرض على كافة الأعضاء تقديم كافة أنواع الدعم العسكري لأي عضو يدخل في صراع مسلح مع أي دولة أخرى".

وأضاف:

إننا نعتبر "القرم" جزءً لا يتجزء من التراب الروسي، فيما تعتبرها أوكرانيا - والغرب عموماً - جزءً لا يتجزء من أوكرانيا... ليس من المستبعد أن تفكر أوكرانيا باستعادة القرم بالقوة، وعندها سنضطر للدفاع عن أرضنا... نحن ندرك أن إمكانيات دول التحالف الـ31 في مجال الأسلحة التقليدية - أكبر من قدراتنا، ولذا سنكون مضطرين لاستخدام قدراتنا الاستراتيجية التي تتفوق على قدرات الآخرين مجتمعة... لن يخرج أحد منتصراً من هكذا حرب... هذا ما يدفعنا للمطالبة بضمانات أمنية موثقة أصولاً، بعد أن كذب علينا الغرب عندما وعدنا (سنة 1990) بأن الناتو لن يقترب قيد أنملة نحو حدودنا.