السياسة – عِـلْـم و فَـنّ

لـ"السياسة" عدد من التعاريف، تلتقي جميعها أو تتقاطع في منطقتي "العلم" و"الفن"!

- الجانب "العلمي" يتمثل في مجموعة الأنشطة والتدابير، التي يتخذها السياسي أو الحزب، لتحقيق ما يضعه من أهداف خلال إدارة البلاد.

- أما الجانب "الفن"ـي، فيتمثل في اجتراح وابتكار الطرق والوسائل اللازمة لتذليل العقبات التي يمكن أن تعرقل عملية تطبيق الأنشطة والتدابير - المذكورة في الجانب "العلمي" - وتحُولَ دون تحقيق ما يضعه السياسي أو الحزب من أهداف.

من هذه المقدمة التجريدية، ننتقل إلى الواقع؛

في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، وصل الاتحاد السوفييتي إلى "الوضع الثوري" المتمثل – حسب "لينين" – في أن الشعب لم يَعُد يُطيق العيش على نفس المنوال، والسُّلْطة لم تَعُد قادرة على مواصلة الإدارة بنفس الطريقة".

عندما فشلت كل محاولات "ميخائيل غورباتشوف" الرامية إلى ابتكار أسلوب جديد من الإدارة، استغل رؤساء كلٍ من روسيا وأوكرانيا وبيلوروسيا (السوفييتيات) حالة الوَهْن التي وصلت إليها سلطة "الحزب الشيوعي السوفييتي"، فعقدوا (وراء ظهر غورباتشوف) اجتماعاً – في الـ 8 من كانون الأول/ ديسمبر 1991 - توصلوا فيه إلى ما يُعرف بـ"اتفاقية "بيلوفيجسكايا بوشا" التي تنص على فرط عقد "الاتحاد السوفييتي"، وعلى أن روسـيا، تعترف رسمياً باستقلال كلً من الجمهوريات الـ 14 ضمن حدودها الإدارية في إطار الدولة السوفييتية.

يقول المثل العربي: صاحب الحاجة – أرْعَـنْ!...

كان رئيس روسيا (السوفييتية) – بوريس يلتسين، يشعر بحاجة مُلحّة للتخلص من غورباتشوف، ومن السلطة السوفييتية الشيوعية عموماً، ولذلك لم يُعِر الانتباه اللازم إلى حقيقة أنّ شبه جزيرة القرم، اقـتُطعت سنة 1954 من قوام جمهورية روسيا، وضُمّت إلى قوام شقيقتها – جمهورية أوكرانيا، وذلك وبمبادرة من الزعيم السوفييتي (ذي الأصول الأوكرانية) – نيكيتا خروشُّـف.

فشلت القيادات المتعاقبة على حكم أوكرانيا في التعامل مع الجارة القوية والعنيدة. فمنذ أيامه الأولى في الحكم، اتخذ الرئيس – فيتكور يوشِّنكو، قرارات وخطوات أثارت حفيظة القيادة الروسية. وخلال الحرب التي نَشبت سنة 2008 بين جورجيا، وروسيا التي ساندت الانفصاليين في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، حاول يوشِّنكو أن يمنع قطع "أسطول البحر الأسود الروسي" من الخروج من مراسيها في قاعدة "سيفوستوبِل" (في القرم) والمشاركة في العمليات العسكرية؛ الأمر الذي دفع روسيا لوضع كل ثقلها في انتخابات عام 2010 الرئاسية، وإنجاح مرشحها – فيكتور يَـنُـكوفِـتش. انقياد يَـنُـكوفِـتش التامُّ لروسيا، أشعل ثورة في شباط/فبراير 2014، أطاحت به، وأتت بساسة معادين لروسيا، وموالين للغرب. استغلت روسيا حالة الفوضى فاستعادت شبه جزيرة القرم، وقدمت دعماً كبيراً للانفصاليين في مقاطعتي "دونيتسك" و"لوهانسك".

لم يتكمن الأوكران من استعادة السيطرة على المقاطعتين المتمردتين بالطرق العسكرية، فانخرطوا في تسوية سلمية للمشكلة عبر ما يُعرف بـ"اتفاقية مينسك" التي تم التوصل إليها سنة 2015، بمساعدة ألمانيا وفرنسا، التي تنص في أحد بنودها على منح "دونيتسك" و"لوهانسك" حكماً ذاتياً مُوَسّـعاً في إطار الدولة الأوكرانية.

فولوديمير زيلينسكي – فنان، لكنه بدأ يهتم بالسياسة بعد أن لعب دور رئيس أوكرانيا، في مسلسل "خادم الشعب". في أواخر عام 2017 أسس زيلينسكي حزباً سياسياً تحت اسم "خادم الشعب" كل قيادته من المشاركين في ذلك المسلسل الشهير.

فاز زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية التي جرت سنة 2019، وكانت الآمال معقودة عليه في أن يجترح ويبتكر الطرق والوسائل اللازمة لتذليل العقبات الجاثمة على الطريق المؤدية إلى الاندماج في العالم الغربي.

كان باستطاعته أن يسحب الذرائع من يد روسيا، وذلك بمنح المقاطعتين الانفصاليتين حكماً ذاتياً موسعاً، ويواصل السير بهدوءٍ نحو هدفه المنشود. وإذا ما أفلح في رفع المستوى المعيشي لبقية المقاطعات الأوكرانية، وفي نشر الحرية والديموقراطية الحقيقيتين فيها، فمن المؤكد أن سكان المقاطعتين الانفصاليتين سيسعون للعودة إلى "حضن الوطن" دون أي اهتمام بأصولهم القومية.