الفقر يشفي الضمائر المريضة

صورة تعبيرية (LiberImage )
صورة تعبيرية (LiberImage )

في الآونة الأخيرة، طفت على سطح المشهد السوري ظاهرةٌ مثيرة، تتمثل في إعلان مشاهير سوريين مواقف لم يعرف أحدٌ عنهم مثيلاً لها من قبل. ففي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات ملايين السوريين شاكية من قلةِ الدخل أو انعدامه، ومن غلاءٍ فاحش في الأسعار، بما في ذلك الضرورية منها، ومن ندرة المازوت والكهرباء، وحتى الماء،،، نجد أولئك "المشاهير" يتحدثون عن فساد النظام، وعن انعدام الحرية والديموقراطية.

فقبل بضعة أسابيع، أطلّ الممثل الشهير – بشار اسماعيل، من الإمارات، ليعلن موقفاً لم يَـصدُر عن أكثر معارضي النظام الأسدي تشدداً. حيث سرد بشار اسماعيل قصة آخر الخلفاء العبّاسيين – المستعصم بالله، الذي استأثر بكل مقدرات الدولة، وحرم رعيّته من كل شيء، وكنز القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وعندما هاجمت جيوش المغول بغداد (في شباط/فبراير 1258) لم تجد صعوبة في احتلالها؛ لأن الروح المعنوية لدى الشعب والجيش كانت في الحضيض. ثم أمر القائد المغولي – هولاكو خان، بِـلَـفّ الخليفة المستعصم بجلد بقر، وضَرْبِه وركْلِه حتى الموت. وختم بشار اسماعيل قصته تلك بالقول: "يلّي ما بيعطي شعبه وجيشه - ما بموت إلا ركل"، وذلك في إشارة - لا لبس فيها - إلى رأس النظام السوري - بشار الأسد.

وقبل بضعة أيام، فاجأنا الممثل الشهير – عباس النوري، بموقف لم يكن أحدٌ يتوقع صدور مثله عنه. فخلال مقابلة أجرتها معه إذاعة "المدينة إف إم" عبر برنامج "المختار" قال النوري عبارات في غاية الوضوح والصوابية، من أبرزها:

منذ عام 1963، لم يعد للمواطن السوري أي دور في تقرير مصيره ومصير بلده، وأصبح الأمر حكراً على النظام،

عندما استولى العسكر على السلطة، أطاحوا بالديموقراطية وبالثقافة وبالدستور،

في ما يتعلق بالحريات؛ يوجد في كل الدول العربية، بما فيها دول الخليج، حريات أكثر من سوريا.

واستغل فنان آخر مشهور جداً – أيمن زيدان، حملة التخوين التي طالت الفنانَ – النوري، ليعبر عما فاض به صدرُه. فقد نشر أيمن زيدان على صفحته في موقع "فيسبوك" منشوراً جاء فيه:

لـ عباس النوري كل الحق في أن يتحدث عن قراءته السياسية لتاريخ وطنه، ولا يحق لأحد أن يشكك بوطنيته،

الالتفاف حول الوطن لا يكون بمصادرة حرية التعبير،

آن لنا نحن السوريين أن نتقن ثقافة الحوار والاختلاف،

سياسة التخوين والإقصاء وتكميم الأفواه ليست مجدية، ولا تعبر عن منطق الحياة التي ننشدها.

إننا والحالة هذه، نجد أنفسنا أمام أسئلة تبحث عن أجوبة:

ما الذي دفع هؤلاء المشاهير لطرق أبواق النقد السياسي العلني والواضح؟

هل يمكن أن يُعتبَر ذلك صحوة ضمير بعد أن صمت هؤلاء أكثر من عشر سنوات على ما مارسه النظام من قتل وتعذيب وتدمير وتهجير؟

هل من المقبول أن تبقى ضمائر "النخبة" نائمة مخدرة إلى أن يمسها الجوع؟