في العقد الأخير من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2013، اندلعت مظاهرات في العاصمة الأوكرانية – كييف، ندد المشاركون فيها بمماطلة الرئيس – فيكتور يانوكوفيتش، المحسوب على روسيا، في التوقيع على اتفاقية الشراكة والتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.
ومنذ ذلك الحين، اتخذت المعارضة والاحتجاجات منحىً تصاعدياً، إلى أن بلغت ذروتها في العقد الأخير من شهر شباط/فبراير 2014. عندها فضّل الرئيس يانوكوفيتش الهروب من البلاد واللجوء إلى روسيا، على الزج بمؤسسات القوة في مواجهة المواطنين.
عندما شعرت القيادة الروسية أن أوكرانيا أدارت لها ظهرَها نهائياً ويمّمت الغرب، سارعت إلى تنظيم استفتاء لسكان شبه جزيرة القرم، على الاستقلال عن أوكرانيا، والانضمام إلى روسيا، وكان ذلك في الـ16 من آذار/مارس 2014. وما هي إلا يومان حتى غدت جزءً لا يتجزأ من روسيا الاتحادية تلك البقعة التي تتمتع بأهمية استراتيجية، كونها مكان مرابطة "أسطول البحر الأسود الروسي" منذ العهد القيصري، كما أنها تحظى بمكانة مرموقة في الذاكرة الجمعية الروسية.
تهتّك اللحمة الوطنية الأوكرانية لم يتوقف عند هذا الحد، حيث استغلت روسيا القراراتِ والمراسيم الخاطئة، لا بل – العنصرية - التي أصدرتها القيادة الأوكرانية الجديدة، لتأجيج الشعور القومي في مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك، اللتين تقطنهما غالبية روسية. ونتيجة لهذين العاملين، صوت "المجلس التشريعي" لـ"دونيتسك"، في الـ 7 من نيسان/أبريل 2014، على تغيير الصفة الإدارية لهذا الكيان، من "مقاطعةٍ" في قوام أوكرانيا، إلى "جمهورية ديموقراطية شعبية". وفي الـ27 من ذات الشهر، حذت "لوهانسك" حذوَ "دونيتسك". ومنذ لك الحين لم تستطع القيادات الأوكرانية المتعاقبة أن تبدّد هواجسَ سكان هاتين المقاطعتين، ولا أن تنحني في وجه العاصفة الروسية القوية، فتتوصل مع الانفصاليين إلى حلول وسط، بحيث "لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم". والسبب في ذلك يكمن – حسب رأي الكثير من المراقبين – في التعويل المبالغ فيه كثيراً على الغرب. انتهت هذه المراهنة إلى اعتراف روسيا رسميا بكلٍ من "دونيتسك" و"لوغانسك" دولتين مستقلتين ذواتا سيادة، وذلك في الـ21 من شباط/فبراير 2022...
يقول المثل: الذكي - يتعلم من تجارب غيره، والحكيم - من تجاربه، والغبي لا يتعلم أبداً...
لقد وضع يانوكوفيتش كل ما كان يملكه من سلطات في خدمة مصالحه ومصالح زملائه في الدائرة الحاكمة، وهؤلاء جميعاً يدينون بالولاء لمشغلتهم – روسيا. لم يستخلص يانوكوفيتش، ولا من خَـلَـفَه في حكم أوكرانيا، من الأخطاء القاتلة والمدمَّرة التي ارتكبها النظام السوري بحق بلاده، عندما سخر كل موارد البلاد، وكل السلطات، لخدمة فئة صغيرة من المجتمع السوري، وأبدى ليونة منقطعة النظير في التعامل مع كل جهة خارجية، حتى المعادية منها، يمكن أن تؤثر في الوضع الداخلي السوري، مقابل عُدوانيّةٍ منقطعة النظير حيال كل صوت سوري مطالب بأبسط الحقوق الإنسانية.
المؤلم في كل ما تقدم أن الحكام والقادة – في كل زمان ومكان – ينعمون وعائلاتهم بعيش رغيد سواء بالسلطة أو بالأموال، فيما يتجرع الشعب البسيط مرارة المغامرات والألعاب السياسية والجغراسياسية.