جرائم إسرائيل باستهداف الصحافيين والمؤسسات الإعلامية… «الجزيرة» مثالا

قوات اسرائيلية في مكتب الجزيرة
قوات اسرائيلية في مكتب الجزيرة


تحت شعار «الرأي والرأي الآخر» انطلقت قناة «الجزيرة» في العام 1996 بخط تحريري يقوم على عدة قواعد: الانفتاح على معارضات الأنظمة العربية دون استثناء، استضافة شخصيات إسرائيلية ضمن برامجها الإخبارية، التغطية الإخبارية المباشرة، التوسع في القنوات المتخصصة (رياضية، أطفال، وثائقية، مباشر) من ناحية، وتوجيه قناة باللغة الإنكليزية للعالم الغربي بشكل عام. ضم عدد كبير من أفضل الصحافيين الذين أصبحوا أيقونات الإعلام العربي، وشبكة مراسلين حول العالم لا تمتلكها أكبر القنوات العالمية، فالوسيلة الإعلامية الناجحة هي بفضل صحافييها وليس بأجهزتها مهما كانت متقدمة، والدليل أن قنوات تصرف عليها مبالغ طائلة لا تلقى القبول الكافي ولا يمكنها أن تصل إلى مستوى «الجزيرة».
كسر المحرمات
وقد نجحت «الجزيرة» في كسر المحرمات (التابو) السائد على المستوى الإعلامي في العالم العربي، وهذا ما عرضها للعديد من المضايقات وإغلاق مكاتبها في أكثر من عاصمة عربية.
وكانت أخطر محاولة لإسكاتها هي الحصار الخليجي الثلاثي عليها ووضع أحد الشروط لفك هذا الحصار هو إغلاق قناة «الجزيرة».
وهذه المضايقات، والمطالب بإغلاقها هو الدليل على أن رسالتها الإعلامية وخط تحريرها لم يرق لأنظمة عربية وضعت شعوبها تحت مطرقة الإعلام الرسمي، وأصبحت «الجزيرة» الأولى في العالم العربي دون منازع رغم محاولات عديدة من قبل قنوات أخرى لمنافستها دون جدوى.
وقد نالت الإعجاب بتغطيتها حرب العراق بكل تفاصيلها، ثم موجات الربيع العربي وخاصة في مصر، واليوم تقوم بتغطية عدوان دولة الاحتلال على غزة ولبنان بوضع المشاهد العربي في الحقيقة الفاقعة على الشاشة لإجرام دولة الاحتلال مباشرة على الهواء. وهذا ما جعل دولة الاحتلال تلتحق بالأنظمة العربية التي تكيد للجزيرة كيدا.
جرائم إسرائيل
دولة الاحتلال التي تصف نفسها زورا وبهتانا «بالديمقراطية» اليتيمة ضمن ديكتاتوريات عاتية أظهرت في هذه الملحمة التاريخية التي تقودها المقاومة أنها ليس أفضل من الديكتاتوريات العاتية، بل هي أكثر تسلطا وإجراما وانتهاكا لكل القوانين المحلية والدولية والحقوق الإنسانية.
فالمشهد اليومي للمظاهرات في تل أبيب ضد «بيبي» ليعيد المحتجزين لدى حماس، وجرائم القتل والتدمير في غزة منذ عام في التمام والكمال، واليوم جرائمه في سلسلة الاغتيالات التي طالت كل قيادات «حزب الله»، وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله، وضرب المباني في لبنان بأكبر القنابل التي زودتها بها أمريكا (دون أن تحقق أي هدف من أهدافها حتى الآن)، ينتشر هذا المشهد في جميع أنحاء العالم ويقلب صورة «الديمقراطية اليتيمة»، وجيشها «الأكثر أخلاقية في العالم» رأسا على عقب ليظهر هذه الدولة على حقيقتها أمام الرأي العام العالمي الذي انتفض بمظاهرات مليونية ضدها، ومع محاولة وسائل الإعلام في الدول الغربية الداعمة للاحتلال طمس الكثير من الحقائق، وعدم بثها لصور الإجرام والرعب الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في غزة والضفة جاءت ««الجزيرة» إنكلش» الناطقة باللغة الإنكليزية لتسد هذا النقص وتنجح في تحقيق اختراق إعلامي لم يحققه الإعلام العربي برمته منذ أكثر من نصف قرن رغم محاولاته البائسة.
وهذا ما جعل دولة الاحتلال يجن جنونها (في الواقع هي لا تكترث كثيرا بالرأي العام العربي المدجن منه والمغلوب على أمره لكن اهتمامها ينصب على الرأي العام العالمي بشكل عام والغربي بشكل خاص وخاصة في أمريكا الذي بيده بطاقة الانتخاب التي يمكن أن تغير الكثير من السياسات) لاهتزاز صورتها اللماعة البراقة التي بنتها بفضل الإعلام الغربي الزائف في المجتمعات الغربية بعد سقوط القناع السميك عن وجهها القبيح جدا.
شيرين أبو عاقلة
والملفت أن هذه الدولة ذات الجيش المجرم والهمجي خصت قناة «الجزيرة» دون غيرها من الاعتداءات المتكررة وارتكاب جرائم القتل في صحافييها ومهاجمة مكاتبها (لم تتعرض القنوات العربية الأخرى التي تقوم بتغطية الحرب على غزة أيضا لأي مضايقات من قبل جيش الاحتلال).
ففي 11 أيار/ مايو 2022 ارتكب جيش الإجرام جريمة بشعة بحق الصحافية مراسلة «الجزيرة» شيرين أبو عاقلة بإطلاق رصاصة على رأسها عن قصد وترصد أثناء القيام بتغطية الاعتداءات على الفلسطينيين في جنين، (ورغم أنها تحمل الجنسية الأمريكية والمطالبة بإجراء تحقيق جدي في مقتلها ومعاقبة الجناة إلا أن أمريكا لم تدافع عن مواطنة تحمل جنسيتها، وسوفت القضية كما سوفت في السابق كل القضايا الإجرامية الإسرائيلية).
بعد عملية طوفان الأقصى قامت «الجزيرة» بتغطية مستمرة لمجريات الأحداث في غزة بشبكة مراسلين في معظم المدن الغزية منهم الصحافي الفذ وائل الدحدوح، وإسماعيل الغول، الذين واكبوا الأحداث ووضعوا المشاهد بصور الدمار والإجرام بحق الشعب الفلسطيني وخاصة الأطفال، هذه الصور التي تدحض ادعاءات إسرائيل حول جيشها «الأكثر أخلاقية في العالم» وتظهره أنه «الأكثر إجراما في العالم»، وإزاء هذه الحقيقة الفاقعة قامت بقتل الصحافيين نجل وائل الدحدوح حمزة الدحدوح والمصور سامر أبو دقة الذي تركته ينزف حتى الموت، ثم بقتل قامت بقتل إسماعيل الغول ومرافقه بحجة أنهما من «حماس».
وتتهم هيومن رايتس ووتش قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتل أكثر من 140 إعلامي في غزة، كما قتلت الصحافي عصام عبد الله مراسل رويترز في لبنان.
تغطية جريئة
وفي إسرائيل قامت شبكة مراسلي «الجزيرة» بتغطية جريئة وموضوعية في نقل الضربات الصاروخية لحماس والجهاد الإسلامي، والمظاهرات المناهضة لبنيامين نتنياهو، وكل الأنشطة السياسية والعسكرية لقيادة دولة الاحتلال، هذه التغطيات التي لم ترق لحكومة نتنياهو أمرت بإغلاق مكتب «الجزيرة» وسحب الترخيص من الصحافيين، وقد توالت الإدانات العربية والدولية ضد قرار إسرائيل.
وقامت «الجزيرة» بتحويل صحافييها إلى رام الله التي من المفترض أن تكون تحت سيادة السلطة الفلسطينية لينضموا إلى فريق وليد العمري لمتابعة التغطية الميدانية من هناك، ولم تتأخر قوات الاحتلال باقتحام مكتب «الجزيرة» في رام الله دون الأخذ بالاعتبار سيادة السلطة الفلسطينية التي أعطت «الجزيرة» الرخصة للعمل في الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت سلطتها (هذه الرخصة وافق عليها وزير الإعلام الفلسطيني السابق مصطفى البرغوثي) وإزاء انتهاكات إسرائيل وجرائمها طالبت أكثر من 60 منظمة إعلامية وحقوقية دولية الاتحاد الأوربي بتعليق اتفاقية التعاون مع إسرائيل وفرض عقوبات عليها، لكن الحماية التي تحظى بها من قبل معظم الدول الغربية حالت دون ذلك، وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي وأمريكا التي سوفت قضية مقتل شيرين أبو عاقلة، ومقتل الدحدوح والغول وتغض الطرف عن كل جرائمها في فلسطين، واليوم في لبنان شركاء في الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين واللبنانيين. ومهما يكن من أمر تضييق دولة الاحتلال على قناة «الجزيرة» فإن وجودها المترسخ وسياستها التحريرية، واختراقها المشهد الإعلامي في الغرب يجعل منها عصية على من لا يريد بها خيرا.