سنتيمتر واحد كان الفارق بين الحياة والموت لمرشح الرئاسة الأمريكي دونالد ترامب الذي قال بعد حادثة إطلاق النار عليه خلال وجوده على منبر أحد الاجتماعات الانتخابية "كنت من الفترض أن أكون ميتا" ولو أن مطلق النار لم يخطيء بسنتمير واحد لكان الحدث أكبر بكثير مما نشهده اليوم، لكن أذن ترامب المصابة أنقذت ربما أمريكا من أحداث أخطر بكثير، إذ كان من الممكن أن يهيج بعض أنصاره على شاكلة هؤلاء الذين اقتحموا الكابيتول بعد خسارته الانتخابات في مواجهة جو بايدن وعاثوا فيه فسادا في حدث قدم صورة همجية ّلأول ديمقراطية في العالم". وقد يذكرنا التاريخ الأمريكي بأن اغتيال الرئيس أبراهام لينكن كان سببا في الحرب الانفصالية الأمريكية، والأمريكيون اعتادوا على اغتيال رؤسائهم، إذ تم أيضا اغتيال جون كيندي، وجيمس جارفيلد، ووليام ماكينلي. جو بايدن الذي رشح نفسه ضد ترامب "الإثنان يحاولان الوصول للبيت الأبيض للمرة الثانية"، ربما لم ينتقصه سوى عكاز يتكيء عليه فيما لو نجح في الانتخابات للمرة الثانية لمدة أربع سنوات أخر، وهو الذي خلط بين رئيس مصر والمكسيك، ورئيس روسيا وأوكرانيا، وارتكب هفوات عدة، وسقط أرضا أكثر من مرة. الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم تنتظر هذه الأشهر القليلة نجاح أحدهما، فالأول سيكون فزاعة مرعبة لكل الدول الأوربية التي يحرض عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باحتلالها إذا لم توف بالتزاماتها المالية كأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وفقدان الأمل بإعادة اتفاق نووي بين أمريكا وإيران إرضاء لبنيامين نتنياهو المهزوم المأزوم اليوم في حرب غزة، وعدم السماح بكل الوسائل بقيام دولة فلسطينية بل سيكون من المحتمل جدا إطالة الحرب في غزة لتحقيق نصر لنتنياهو باستمرار الإبادة الجماعية لفلسطينيي الضفة وغزة، وربما سيعود لتوظيف نصف عائلته في البيت الأبيض كما فعل سابقا مع أبنته وزوجها جاريد كوشنير الذي كان من كبار مستشاريه، أما الدول التي ستكون سعيدة بنجاحه هي إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو الذي يماطل بإبرام أي صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس بانتظار أن يرمي له ترامب طوق النجاة. وصديقه الروسي فلاديمير بوتين الذي ينتظر منه أن يتدخل في الحرب الأوكرانية ويمنع عن خصمه فلوديمير زيلينسكي الأسلحة والمعونات كمحاولة للاستسلام وانهاء الحرب بيوم واحد كما "صرح مؤخرا". أما من الدول العربية فستكون السعودية التي تربط ولي عهدها محمد بن سلمان بعلاقة صداقة وطيدة مع ترامب، وكذلك الإمارات العربية التي يرتبط رئيسها محمد بن زايد بعلاقات وطيدة معه. أما في حال بقاء بايدن في البيت الأبيض والذي يبدو للبعض أهون الشرين فإن حالته الصحية ربما لن تسمح له بمتابعة حكمه الثاني وتضطر واشنطن بإجراء انتخابات مبكرة، وهنا أيضا سيعود شبح ترامب للمرة الثالثة كمكر مدبر، مقبل مدبر معا حيث سيتقدم بترشحه أيضا (إذا وافق بالطبع الجمهوريون على ترشحه)، لأن هوس الحكم يسيطر على كل تفكيره وأعماله، ولن تستطيع أي محكمة تمنعه من ذلك رغم فضائحه الجنسية المتكررة وتهربه الضريبي. وهذا يعني أن المشهد الأمريكي ليس ضبابيا فقط بل فضائحيا مفزعا للبعض، مفرحا للبعض الآخر، إنها الترامبية المثيرة للجدل في الدولة القوة الأعظم.