يتأهب رئيس النظام السوري بشار الأسد للدخول في حملة انتخابية حامية الوطيس مقابل مرشحين محتملين يصارعونه على السلطة في جو "ديمقراطي" قل مثيله في بلد آخر. فالشعب السوري ربعه خارج سوريا مشرد، وربعه الآخر داخل سوريا يعيش تحت سقف المخيمات، والنصف الآخر يتعيش ب حفنة دولارات في الشهر. وربما نسي الرئيس أن يترشح لرئاسة العالم حسب ما قاله له أحد النواب في إحدى جلساته «إن سوريا صغيرة عليك يا سيادة الرئيس أنت يجب أن تحكم العالم» ليعود التصفيق مجددا. الشعب السوري ينعم برئيس قل مثيله ولهذا السبب يقوم المجلس بالتصفيق المستمر ويفدونه بالروح والدم. هذا أقل ما يقال. فخلال سنوات عشر من «ثورة الإرهابيين» الذين استخدموا أبشع أنواع الأسلحة ضد الشعب والجيش المقاوم الممانع من غاز السارين، والكلور، إلى الصواريخ، وحتى البراميل المتفجرة بقي صامدا ومواجها لهذه العصابات.
صحيح هو استعان بـ «حزب الله» الذي يتهم اليوم بتخزين أطنان نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت والذي أدى إلى دماره، ولكن هذا من أجل المقاومة والممانعة ضد العدو الصهيوني، لأن طريق القدس يمر من القصير وحمص والزبداني.
صحيح أن الجيش السوري لم يطلق رصاصة واحدة في اتجاه العدو الإسرائيلي خلال أربعة عقود لأنه كان ينتظر المكان والزمان المناسبين، ولو أنهما تأخرا قليلا، وأن الطائرات الإسرائيلية تصول وتجول في سماء سوريا وتقصف من تشاء متى تشاء. صحيح أن بشار استقدم قوات إيرانية، وميليشيات «فاطميون»، و«زينبيون»، وعصائب الحق، وحزب الله العراقي، وكل من هب ودب من مرتزقة ولكن هؤلاء كانوا في مقابل "داعش"، و"ماعش"، والنصرة، وما أدراك ما النصرة. صحيح أن بشار استقل طائرة شحن روسية ليبرم اتفاقا مع الروس لحماية النظام ولكن هؤلاء حلفاء سوريا منذ عهد البابا حافظ، ولهم الأولوية، صحيح أن فلاديمير بوتين لا يستأذن أحدا، ولا حتى الرئيس بشار نفسه عندما يريد دخول سوريا وكأنها صارت مقاطعة روسية، ولكن هذه لدواع أمنية ليس إلا. صحيح أن ضابطا صغيرا يمنع الرئيس من مرافقة بوتين في إحدى القواعد الروسية التي انتشرت في سوريا كالفطر في غابة بعد عاصفة مطرية، ولكن هذه للحفاظ على البروتوكول الروسي. صحيح أن ثلث الشعب السوري بات من عداد اللاجئين في زوايا الأرض الأربع، ولكن لا تخطئوا هذا ضمن خطة مدروسة للتجانس الديموغرافي.
أما النازحون في أركان سوريا فهؤلاء ضحايا الإرهاب، وما يقال عن احتلال بيوتهم من قبل عناصر الميليشيات فهذا اتهام ليس بمحله، ففي قوانين الجملكية الأسدية: «البيت لساكنه»، صحيح أن الليرة السورية باتت أرخص من قشرة بصلة، ولكن هذا بسبب المؤامرة الدولية الإمبريو صهيونية والخائن قيصر الذي قدم وثائق باطلة لصور فوتوشوب اعتمدت عليها الإدارة الأمريكية. فلا عجب أن يصفق نواب مجلس وصفه البعض حقدا وتضليلا بـ: مجلس هز الرؤوس، ومجلس نعم نعم، ومجلس الأراكوزات، ومجلس الموتى، ومجلس الدمى. حتى أن نائبا عن حلب في جلسة العام 2012 حذر زملاءه: «لا تكونوا مجلس إمعات».
لقد شهدت سوريا في تاريخها النيابي مجالس سطرت خلالها مواقف تذكر ففي سنة 1944 تم تعيين فارس الخوري رئيسًا للوزراء. واحتفظ لنفسه بوزارة الأوقاف، اعترض بعض النواب كون فارس الخوري مسيحيًا فكيف يكون وزير الأوقاف الإسلامية، لكن الكتلة الإسلامية في المجلس أيدت الخوري وقال رئيس الكتلة آنذاك الشيخ الدمشقي عبد الحميد طباع: «إننا نؤمن فارس بك الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا».
هذه هي العقلية التي كانت سائدة البعيدة كل البعد عن الطائفية والإملاءات. وفي موقف آخر كان السيد سعيد إسحق (مسيحي) نائبا لرئيس البرلمان، وكان هاشم الأتاسي رئيسا للجمهورية، وفي العام 1951 قام أديب الشيشكلي بانقلاب واعتقال رئيس البرلمان ناظم القدسي فتولى سعيد اسحق رئاسة البرلمان، واحتجاجا على الانقلاب قدم هاشم الأتاسي استقالته لرئيس المجلس اسحق الذي وحسب الدستور بات رئيسا للجمهورية، ودامت رئاسته يوما واحدا كون الدستور السوري آنذاك ينص على أن يكون الرئيس سوريا مسلما أبا عن جد. ورغم أن هذه المادة مجحفة بحق الأخوة المسيحيين إلا أن الحادثة تبين احترام القوانين فرئيس الجمهورية يقدم استقالته لرئيس البرلمان حتى لو كان ذلك ضمن جو انقلابي من قبل الجيش الذي ابتليت به سوريا وكان سبب نكبتها حتى اليوم.