(عن القدس العربي)
أصبح المقاوم والممانع والقومي ووريث جبهة الصمود والتصدي لإسرائيل بشار الأسد محكوما عليه كمجرم حرب، وضد الإنسانية (أيّدت محكمة استئناف في باريس مذكرة اعتقال صدرت بحق رئيس النظام السوري بشار الأسد لاتهامه باستخدام أسلحة كيميائية محظورة ضد مدنيين.
وتشير مذكرة الاعتقال الصادرة عن قضاة فرنسيين في نوفمبر /تشرين الثاني 2023 إلى اتهامات بالضلوع في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وجاءت في أعقاب تحقيق فرنسي في هجمات بأسلحة كيميائية في دوما، ومعضمية الشام في الغوطة الشرقية في أغسطس/ آب 2013 تمخضت عن مقتل أكثر من 1000 شخص جلهم من الأطفال).
الغوطة الشرقية
هذا الحكم جاء بعد عقد من الجريمة النكراء بحق أطفال الغوطة الشرقية. بهذا الحكم أصبح بشار الأسد وبنيامين نتنياهو قائد “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم” صنوان في الكذب، والإجرام، وارتكاب المجازر، والنكران.
بالطبع الأسد مرتكب هذه الجريمة النكراء أنكر مسؤوليته عنها بل ونسبها للمعارضة المسلحة عبر لسان مستشارته بثينة شعبان التي صرحت حينها أن:” إرهابيي المعارضة خطفوا 500 طفل من أطفال جبال العلويين وأتوا بهم إلى الغوطة وضربوهم بغاز السارين الكيماوي”.
هذه الكذبة المفضوحة التي “لا يزنها ميزان ولا قبان” لحجمها وغرابتها وصعوبة تحقيقها، سخر منها السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي أيما سخرية.
الإدارة الأمريكية بعد هذه المجزرة الكيميائية، وفي عهد باراك أوباما أطلقت التحذير الشهير أن استخدام الأسلحة الكيميائية “خط أحمر”، ولوحت بالتدخل العسكري، وسرعان ما تراجعت عن التهديد والوعيد، والسبب في ذلك أن إدارة أوباما كانت بصدد التحضير للاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين وإيران، وتخشى أن تقوم إيران بالتراجع عن الاتفاق إذا أمر أوباما بضرب حليفها الأسد في سوريا، وهذا يعني في ساعة الصفر، المصالح تعلو على المبادئ والقوانين. فلا خط أحمر، ولا حقوق إنسان، ولا قانون دولي، ولا هم يحزنون. (وعلى أي حال فإن هذا الاتفاق ألغي من الإدارة الأمريكية في عهد دونالد ترامب الذي خلف أوباما إرضاء لإسرائيل) أي أنه لو تمت معاقبة الأسد حينها لضمنت أمريكا احترام العالم وشكلت سابقة لمن تسول له نفسه استخدام الأسلحة المحرمة دوليا، ولكن أمريكا استمرت في تجاهلها لضربات الكيميائي لنظام الأسد التي تكررت في خان شيخون، وخان العسل، ودوما، وعشرات الأماكن الأخرى التي تم توثيقها من منظمات دولية، وذر ترامب الرماد في عيون العالم بوصف الأسد بالحيوان، وقصف مطار الشعيرات (الذي انطلقت منه الطائرات التي أسقطت غاز السارين على خان شيخون) بقذيفة لم تقتل غرابا في المطار) كما تم إصدار مذكرة توقيف ضد ماهر الأسد بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية لضلوعه بالجريمة نفسها (وهكذا تكون رؤوس العائلة الأسدية قد تم الحكم عليها بارتكاب جرائم الحرب وضد الإنسانية: الأخوان الأسد وشركاؤهما، والعم رفعت الأسد (بأمر من شقيقه حافظ) بارتكابه مجزرة حماة في العام 1982 التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين)، وشملت مذكرات التوقيف عميدين آخرين هما غسان عباس، مدير الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، وبسام الحسن، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية. وتم سابقا أيضا اصدار أحكام بحق علي مملوك الرئيس السابق لمكتب الأمن القومي المشرف على أجهزة الأمن والمخابرات في سوريا، وجميل حسن مدير المخابرات الجوية الأسبق، بالإضافة إلى عبد السلام محمود المدير السابق لفرع التحقيق، ووزير الدفاع السابق فهد جاسم الفريج، أي ببساطة كل رؤوس النظام تشترك في جرائم حرب وضد الإنسانية بحق الشعب السوري.
وهذا ما أثبته أيضا “القيصر” الذي زود الكونغرس الأمريكي بحوالي خمسين ألف صورة لـ11 ألف معتقل ماتوا تحت التعذيب في معتقلات الأسد، والتي استندت عليها الإدارة الأمريكية في فرض عقوبات اقتصادية على نظام الأسد التي لم تحترم، ويقوم نظام الأسد بالالتفاف عليها بصناعة وتصدير مخدرات الكبتاغون.
المحكمة الجنائية الدولية
أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تقديم طلب إلى الدائرة التمهيدية في المحكمة لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يواف غالانت، وصرح في بيان له:” استنادا إلى الأدلة التي جمعها مكتبي ودقق فيها لدي أسباب معقولة للاعتقاد أن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت على أراضي دولة فلسطين، وهذه الجرائم تشمل تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب.. وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين باعتباره جريمة حرب وإبادة والقتل العمد.. والاضطهاد باعتباره جريمة ضد الإنسانية”، نتنياهو وصف الحكم ضده ” بالفضيحة”، أما غالانت فاعتبر أنها خطوة تستهدف إسرائيل بأكملها، وقد أضيف طلب المحكمة الجنائية الدولية إلى طلب افريقيا الجنوبية من محكمة العدل الدولية بمحاكمة إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في حربها في غزة.
وهاتان سابقتان لم تشهدهما دولة الاحتلال منذ اغتصابها الأراضي الفلسطينية رغم كل المجازر التي ارتكبتها قبل مجازر غزة التي تعتبر أكبرها، الحليف الأمريكي (وأنا أرى أن كلمة حليف لا تناسب العلاقة العضوية بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال لأنها أعمق بكثير ولا تقل عن كونها النجمة 51 في العلم الأمريكي دون أن نراها ترفرف عليه) جن جنونه أكثر من أصحاب العلاقة، فردة الفعل كانت تفوق بكثير ردة فعلهم، بل وكشفت مدى الزيف الذي يدعيه في احترام القانون، فالصدمة جاءت من مفهوم كيف يتجرأ المدعي العام لهذه المحكمة على إصدار مذكرة توقيف بحق حليف لأقوى دولة في العالم “التي أُنشئت من أجل افريقيا وبلطجية بوتين وليست من أجل الغرب” كما صرح أحد النواب (ولهذا السبب الولايات المتحدة وحليفتها ليستا عضوين في المحكمة) وقام الرئيس جو بايدن بإدانة المحكمة، وكذلك العديد من أعضاء الكونغرس.
(حذر ريتشارد غولدبرغ، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أن واشنطن قد تواجه تحقيقا نشطا للمحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب مزعومة في أفغانستان)، وكان الرئيس السابق دونالد ترامب أصدر أمرا تنفيذياً يسمح للولايات المتحدة بحظر أصول موظفي المحكمة الجنائية الدولية ومنعهم من دخول البلاد بعد أن قامت بتحقيقات في جرائم أمريكا في أفغانستان.
وقد أظهرت المناظرة بين الرئيس الحالي بايدن والرئيس السابق ترامب التي وصفت “بالمهزلة” بين بايدن” المتلعثم”، وترامب “الكذاب” أن كليهما لا يحترمان القانون الدولي، وكلاهما صديقان “حتى العظم” لدولة الاحتلال ولنتنياهو “مجرم الحرب” وعدوان للفلسطينيين وفلسطين وكانا يعملان حثيثا مع حليفهما المدلل لكي يمحيها من الخريطة كما عرضها نتنياهو على منبر الأمم المتحدة.
كاتب سوري