لم يعد في جيب السلطات اللبنانية للتخلص من اللاجئين السوريين سوى دفعهم إلى نظام الأسد، مع رغبة حكومة نجيب ميقاتي، ومسؤولين لبنانيين في إعادتهم إلى سوريا، وفتح البحر أمامهم كما دعا أمين عام حزب الله حسن نصر الله إلى فتح البحر أمام النازحين الراغبين بالوصول إلى أوروبا، (برغبة منه في الضغط على الأوروبيين. وهنا نشير إلى أن حزب الله دفع معظم سكان وادي بردى إلى الهرب من القتل الذي كان يمارسه في المدن والقرى وفي مناطق القلمون)، وهما أمران أحلاهما مر ومجهول، ومحفوف بالمخاطر (خطر الغرق حيث فقد مئات السوريين حياتهم بركوب البحر، وخطر الاعتقال من قبل مخابرات النظام السوري لأنهم يعتبرون اللاجئين السوريين معارضين للنظام).
معاناة لا تنتهي
معاناة السوريين في لبنان لا تنتهي: معاناة من الأحوال الجوية في المخيمات (80 في المئة يعيشون في مخيمات معرضة للبرد الشديد في فصل الشتاء، مع الأمطار الغزيرة وفقدان التصريف الصحي، الباقي يقطنون في بيوت مؤجرة بأسعار ترهق ميزانياتهم وتؤثر على عيشهم)، نقص فادح في قبول أولاد السوريين في مؤسسات التعليم، معاناة شديدة من غلاء المعيشة، التضييق على السوريين في سوق العمل، تعرض بعضهم لعمليات تعذيب وضرب وسوء معاملة وتمييز عنصري، مداهمات متكررة للسلطات اللبنانية للمخيمات، تقنين المياه 11 ليتر يوميا للشخص. فرض ضريبة 10 دولارات على كل شخص يريد الاستفادة من توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، عدم السماح للاجئين السوريين المسجلين بمفوضية الأمم المتحدة بالعمل أو فتح مصلحة حسب قانون تم سنه مؤخرا. كل عائلة سورية تدفع إيجار الخيمة التي تقطنها، عدم وجود تمديدات صحية، اعتقالات عشوائية للاجئين وضربهم والاعتداء عليهم لانتزاع اعترافات والزج بهم في سجون مكتظة وإجبارهم على الاعتراف بجرائم خطيرة لا يد لهم فيها.
تفاقمت الأزمة بعد عملية اغتيال المسؤول في القوات اللبنانية باسكال سليمان التي اتهم فيها سوريون (لكن خيوط الجريمة لم تتوضح بعد). وقد وجهت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة رسالة إلى وزير الداخلية والبلديات في لبنان بسام مولوي تدين فيها ما وصفته بـ “الممارسات اللاإنسانية” بحق اللاجئين السوريين، ورفضت ترحيلهم، وامتنعت عن منح السلطات اللبنانية بيانات اللاجئين السوريين.
وهددت حكومة نجيب ميقاتي بإعادة النظر في العلاقة مع المفوضية وطالبتها بعدم التدخل في الشؤون السيادية للبنان، وأكدت أن اللجوء السوري لم يعد له ما يبرره مع استتباب الوضع في سوريا، لكن مفوضية اللاجئين والكثير من المنظمات الحقوقية تشكك في الأمر وتعتبران إعادة اللاجئين السوريين قد تعرضهم لخطر الاعتقال أو التعذيب. زادت تصريحات الطبقة السياسية اللبنانية في الآونة الأخيرة حدة بخصوص مواقفها من الملف السوري، فمن سمير جعجع الذي قال إن السوريين يشكلون تهديدا وجوديا للبنان، مؤيدا بذلك كلام البطريرك بشارة الراعي الذي لم ينفك من القول بأنهم خطر على التوازن الطائفي في لبنان، والخطر الأكبر أن يتم تجنيسهم على المدى الطويل.
رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أكد أن الحوار مع النظام السوري حول قضية عودة اللاجئين “قد أصبح في الآونة الأخيرة بعد مقتل باسكال سليمان أمرا لا مفر منه”، واستعرض مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه في باريس ملف اللاجئين السوريين ورؤيته للحوار مع النظام السوري.
رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، قال: “لن نرغم اللاجئين السوريين على العودة لبلادهم”، لكنه دعا إلى المزيد من المساعدات الدولية للتعامل مع أزمة اللاجئين. حزب “الكتائب اللبنانية” من جانبه رفع مجموعة توصيات لمعالجة الوجود السوري ودعا إلى التوقف عن “اعتبار الشعب السوري بأكمله طالب لجوء في لبنان وتحديد الوضع القانوني لكل فرد سوري موجود على الأراضي اللبنانية وأوصى مجلس النواب اللبناني بـ”ترحيل” اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى البلاد بطريقة “غير شرعية، وحث المجلس، على تشكيل لجنة وزارية للتواصل مع الجهات المختلفة، لا سيما مع الدولة السورية لإعادة اللاجئين، وطلب المجلس من أجهزة الأمم المتحدة كافة لاسيما مفوضية اللاجئين والجهات الدولية والأوروبية المانحة “اعتماد دفع الحوافز والمساعدات المالية والإنسانية” للتشجيع على إعادة اللاجئين إلى بلادهم، من خلال الدولة اللبنانية، وشدد على “التزام الحكومة بالموقف الذي أعلنه الرئيس ميقاتي بأن لبنان لم يعد يحتمل عبء بقاء اللاجئين، وسبق ودعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى جلسة عامة لمناقشة “المواقف من الهبة الأوروبية والبالغة مليار يورو لمساعدة لبنان في ملف اللاجئين السوريين” بعد أن أثارت هذه الهبة جدلا سياسيا لدى الأحزاب السياسية التي اعتبرتها “رشوة أوروبية لتوطين اللاجئين السوريين ومنع تدفقهم إلى أوربا”
الابتزاز الأسدي
يعمل نظام الأسد على ابتزاز لبنان للقبول باستقبال السوريين العائدين إلى الوطن ورغم عدة زيارات قام بها مسؤولون لبنانيون للتباحث حول عودة اللاجئين لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بسبب النظام السوري الذي يضع شروطا لعودتهم، منها رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليه بموجب “قانون قيصر”، كما يبرر عدم مقدرته لاستقبالهم قبل إعادة الإعمار (بسبب الدمار الذي قامت به قواته وميليشياته)، إضافة إلى مطالبته بانسحاب القوات الأجنبية من سوريا (ويقصد به القوات الأمريكية والتركية)، ويقف لبنان بين شروط الأسد، والرفض الأوروبي الأمريكي لرفع العقوبات وإعادة الإعمار ما لم يرضخ الأسد للقبول بحل سياسي على أساس القرار الدولي رقم 2254، وهذا ما يزيد من معاناة اللاجئين.
كاتب سوري