آفاق شهر العسل بين دمشق وطهران

ضربة اسرائيلية على احد مواقع ايران في سورية
ضربة اسرائيلية على احد مواقع ايران في سورية

(عن القدس العربي)
يبدو أن نظام بشار الأسد بدأ بأخذ انعطافة حادة مع النظام في طهران، وحسب مبدأ لا يوجد صداقات دائمة وإنما مصالح دائمة فإن مصالح النظام السوري بدأت تتعارض مع مصالح النظام الإيراني. الصداقة القديمة مع نظام طهران بناها الأب حافظ الأسد وحرص عليها حرصا شديدا، وكلفته معاداة دول عربية كثيرة لدعمه إيران في حربها ضد العراق إبان ثمانينيات القرن الماضي، لكن الوريث لم يمش على خطى المورّث، ونسي عندما كان نظامه يترنح تحت ضربات المقاومة كيف ذهب مطأطئ الرأس يطلب العون من المرشد الأعلى علي خامنئي الذي رد له جميل والده بإرسال كل الميليشيات تحت سلطته وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني، و«حزب الله» التي دخلت جميعها في معارك طاحنة مع المعارضة المسلحة السورية. وقد ارتكبت مجازر ضد الشعب السوري ودفعت الملايين للجوء خارج البلاد، أو النزوح إلى المناطق المحررة.
هذا الجميل تم تناسيه سريعا لمجرد أن دولا عربية أعادت للنظام كرسيّه في الجامعة العربية، (ربما كان شرطا من شروط التطبيع مع نظامه) كما يرى النظام أن الجار الإسرائيلي الذي له أيضا الفضل بالمحافظة على نظام الأسد بالضغط على أمريكا عدم المساهمة في إسقاطه على كل الفظائع التي ارتكبها ومنها استخدام الأسلحة الكيميائية أنه يخدم مصالحه اليوم إذا ابتعد عن الصديق الإيراني سابقا.
ومن عدة مؤشرات جلية تظهر أن فتيل الخلافات العميقة بين الطرفين بدأت تطفو على السطح، وأن نهاية شهر العسل باتت قريبة (كنا نوهنا في مقال سابق عن بداية هذه الخلافات). ولاسيما حول ملفين لا هوادة فيهما بالنسبة لطهران: «جواسيس النظام لصالح إسرائيل» (حسب وصف مسؤولين إيرانيين) و«عزوف نظام الأسد عن المشاركة في حرب غزة» على غرار محور المقاومة التي يعتبر هو عضوا فيه. وملفات أخرى كمنع طهران من الاستثمار في سوريا، وعدم تطبيق الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق في 2023، وعدم تمكين إيران من الاستثمار في سوريا. والنظام السوري بدأ يضيق ذرعا بالوجود الإيراني لعدة أسباب: الضربات الإسرائيلية المتكررة على الأهداف الإيرانية في سوريا، وخاصة ضرب مطارات دمشق وحلب والتي تستقبل الطائرات الناقلة للذخائر والأسلحة الإيرانية، تحركات الميليشيات التابعة لإيران داخل الأراضي السورية (وخاصة «حزب الله» والحرس الثوري) دون إمكانية النظام السوري السيطرة عليها، حركة استحواذ محمومة للعقارات في الكثير من المناطق في سوريا، تشكيل ميليشيات من عناصر سورية تعمل لصالح إيران وخاصة في مناطق الحدود العراقية السورية في دير الزور. قيام شيعة إيران باستفزازات طائفية في مناطق السنة وخاصة «اللطميات» في المسجد الأموي، والتهجم على أضرحة صحابة وتوجيه الشتائم لها كضريح معاوية بن أبي سفيان.
تمتلك طهران عدة أوراق ضغط على نظام الأسد في الجانب العسكري، والمالي، والاقتصادي أولاها المطالبة باسترداد الديون المستحقة والتي تبلغ حتى الآن حوالي 50 مليار دولار
لكن أهم وأخطر ملف طفا على السطح مؤخرا بعد عمليات الاغتيالات لجنرالات إيرانيين من قبل إسرائيل هو ملف أدرج تحت اسم «خيانة دمشق» أو «جواسيس النظام السوري». وحسب موقع «عربي بوست» عن مصدر إيراني طلب عدم ذكر اسمه أن «تحقيقات الحرس الثوري تقول إنهم (أي الجواسيس) متواجدون في المخابرات العسكرية السورية، وفي مكتب بشار الأسد نفسه» وعلى إثر عمليات الاغتيال المتكررة اتخذت طهران عدة إجراءات احترازية لتجنب ضربات موجعة جديدة من قبل إسرائيل، وعدم تسريب المعلومات عن تحركات قادة الحرس الثوري لأجهزة المخابرات السورية، وتم نقل عدد كبير من الكوادر العسكرية خارج الأراضي السورية، وأوكلوا جزءا من مهامهم ل«حزب الله» في سوريا. وتلوم طهران نظام دمشق على عدم فتح جبهة الجولان لعناصرها للرد على الضربات الإسرائيلية، وتقول إن النظام لم يفعّل الأنظمة الدفاعية للتصدي لها، وتتهمه بـ «عقد صفقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل الفوز برفع جزئي للعقوبات (بعض المصادر أشارت إلى وساطات عربية) بعدم مشاركة دمشق بمحور المقاومة، الذي تقوده إيران في حرب غزة، بالإضافة إلى تسريب معلومات حساسة عن القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا». ويتهم النظام طهران بأنها «تريد الاستحواذ على الاقتصاد السوري بشكل كامل، كما أنها تدفع لتوريط دمشق في حرب غزة في وقت صعب تعاني منه البلاد من أزمة اقتصادية كبر.
وتمتلك طهران عدة أوراق ضغط على نظام الأسد في الجانب العسكري، والمالي، والاقتصادي أولاها المطالبة باسترداد الديون المستحقة والتي تبلغ حتى الآن حوالي 50 مليار دولار، ويتهرب النظام من دفعها بحجة العقوبات الأمريكية، لكن طهران تنوي الضغط عليه لجدولتها واستردادها، أو توظيفها باستثمارات داخلية في الفوسفات، والنفط، والكهرباء، وإعادة الإعمار، لكنه يماطل بها (وكان النظام منح الروس الاستثمار في النفط والفوسفات). أما من الجانب العسكري فقوات الميليشيات الإيرانية المنتشرة في كل مكان وخاصة على الحدود العراقية السورية، واللبنانية السورية، ومناطق في الداخل كريف حلب، والقلمون، وحوض بردى فهي تسيطر عليها سيطرة من الصعب على النظام أن يقتلعها منها.
وعلى أية حال فإن النظام الذي يواجه تحديات داخلية كبيرة في منطقة جبل العرب التي انتفضت ضد حكمه، وكذلك منطقة حوران التي لا تزال فيها مواجهات شديدة بين قوات النظام والمقاومة، أضف إلى منطقة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، ومناطق شرق الفرات «مناطق الحكم الذاتي» الكردية المدعومة أمريكيا، ومنطقة التنف (قاعدة عسكرية تعرضت مؤخرا لهجوم بصواريخ من ميليشيات عراقية) وفلول تنظيم الدولة «داعش» في البادية السورية، فمن الصعب عليه التخلص من الوجود الإيراني ولو أراد ذلك في ظل هذه الظروف، وهو يحاول أن يربط نفسه من جديد مع المنظومة العربية التي بدورها تحاول دعمه بشرط وقف تصنيع وتجارة حبوب الكبتاغون المستمر بها. وكانت واشنطن من جانبها طلبت من الدول العربية عدم التطبيع معه. روسيا من جانبها، وكذلك تركيا تلتزمان الصمت حيال الموقف الإيراني من النظام بانتظار ما ستسفر عنه إجراءات طهران.
كاتب سوري