عندما كانت العلاقات بين روسيا الاتحادية و"منظمة حلف شمال الأطلسي – ناتو" جيدة، أعلن الأخير عن مناورات واسعة النطاق، تحت مسمى "الخطر الشرقي"، تُنفّذ على أراضي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. وبهذه المناسبة سأل مراسل إحدى وسائل الإعلام الروسية ممثلَ الـ "ناتو" في موسكو:
- هل لا يزال الـ "ناتو" يَعتبر روسيا عدواً؟
فأجاب المسؤول العسكري الغربي:
- لا، طبعاً! وهذا مدوّن في "اتفاقية الشراكة الأورو- أطلسية" وفي الوثائق التأسيسية لـ "مجلس روسيا – ناتو".
فسأل المراسل:
- إذاً، لماذا تتوقعون أن يأتيكم الخطر من الشرق... إذْ لا يوجد أي دولة أخرى غير روسيا على حدو الـ "ناتو" الشرقية.
فأجاب ممثل الـ "ناتو":
- أيها السيد المحترم، يوجد في أركان الـ "ناتو" عدد كبير من المنظّرين والمحللين، الذين لا عمل لهم إلا التفكير بالأخطار التي يمكن أن تتعرض لها أي دولة عضو في الحلف؛ طبيعة الأخطار المحتملة، مصدرها، ثم إعداد الخطط اللازمة لمواجهتها.
واستطرد الضابط الغربي مبتسماً:
- دعني أخبرك بـ سـرّ من أسرار "الحلف"؛ لقد وضع استراتيجيونا خططاً لمواجة أخطار يمكن أن تتأتى من الفضاء، وليست ذات منشأ أرضي...
إن المتابع لتصرفات النظام السوري، منذ تأسيسه، يدرك أن أركان (النظام) لم يكن لها من هم واهتمام، سوى التنبؤ بالأخطار التي يمكن أن تهدد ديمومة فرض سيطرته على السوريين ومقدراتهم، وكيفية التصدي لها...
فعلى الصعيد الخارجي، أوهم (النظام) المعسكر الشرقي، بقيادة الاتحاد السوفياتي، أنه يقود سوريا نحو الاشتراكية، وعقد معه اتفاقيات صداقة وتعاون وتحالف، وبهذا أمِن شر الشرق...
وعلى الصعيد الغربي، أدرك (النظام) أن إسرائيل هي العنصر الأهم في سياسة الغرب الشرق أوسطية، فمنح الغربَ تأكيدات بأنه سيكون أهم ضامن لأمن إسرائيل.
ولقد أثبت النظام وعوده للغرب قولاً وعملاً... حيث ساعد الملك حسين على طرد المقاومة الفلسطينية من الأردن، ثم منع تنفيذ أي عمل مقاوِمٍ أو فدائي عبر الجبهة السورية، ثم طرد الفلسطينيين من لبنان... وبهذا أمِن شر إسرائيل ومن ورائها الغرب.
وعلى الصعيد الإقليمي، أقام (النظام) علاقات استراتيجية متينة مع إيران، واحتضن كل المعارضات العربية والكردية، وجعل منها "ورقة تهديد" يمكن أن يلعبها في مواجهة أي طرف يضمر له شراً.
وعلى الصعيد الداخلي، اتبع النظام سياسة "فرّق تسد"، التي أثبتت فعالية عبر العصور. حيث راحت أركانه تعبث في المجتمع السوري تفتيتاً وتزرع الفرقة بين مكوناته. واتضحت معالم الجهود التي بذلها استراتيجيو النظام، في التصريح الذي أطلقته بثينة شعبان في الـ 27 من آذار (مارس) 2011، الذي وصفت فيه انتفاضة الدرعاويين على إهانة أهالي الأطفال الذين اعتقلتهم أجهزة القمع الأسدية وسامتهم أبشع أنواع التعذيب، بأنها "مشروع فتنة طائفية تحاك ضد سوريا".
لقد مثل هذا التصريح إطلاقاً لمخطط جهنمي، حيك بعناية فائقة جداً، يهدف إلى إجهاض كل محاولة تهدف إلى تحقيق توافق بين السوريين على التخلص من الاستبداد والقمع والفصل الطائفي، والانتقال إلى فضاء الحرية والكرامة والديموقراطية والمساواة.