تشابكت الأحداث وتزامنت في فترة وجيزة، ووقعت في ذكرى أخرى كأنها تنذر بعودة إلى واقع مرير عايشناه وعانينا منه ما عانينا.
“طوفان الأقصى” دخلت شهرها السابع ولا أفق واضحا لنهاية معاناة الفلسطينيين في غزة من المجازر الوحشية التي ترتكبها دولة الاحتلال والعنصرية بحقهم.
وازدادت حدة التوتر لحدها الأعظمي مع عملية “الوعد الصادق” الإيرانية وقصف إسرائيل في 13 نيسان/أبريل ردا على مقتل جنرالاتها السبعة في قصف قنصليتها في دمشق.
وهذا اليوم يذكر بانطلاقة الحرب الأهلية اللبنانية في 13 نيسان/ أبريل 1975. وهذه الذكرى استعادها اللبنانيون هذا العام مع توتر آخر بمقتل المسؤول اللبناني في القوات اللبنانية باسكال سليمان على أيدي سوريين، حسب ما أفادت الشرطة اللبنانية، ما أثار ردود فعل غاضبة لدى عناصر من القوات اللبنانية الذين قاموا بالاعتداء على سوريين أبرياء وحطموا ممتلكاتهم، واستغلها البعض ليطالب بطرد السوريين من لبنان، واعتبر رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع أن وجود السوريين في لبنان هو تهديد وجودي للبنان، وطالب بترحيلهم، وأضاف “لحسن الحظ أن أحدا لم يسلحهم” بينما حذر كثيرون من النعرة الطائفية التي تعيد إلى الأذهان طلب هذه الجهات نفسها من الفلسطينيين “المسلحين” سابقا مغادرة لبنان بعد حادثة “بوسطة عين الرمانة”، وبداية الحرب الأهلية والتي نجحت مع الغزو الإسرائيلي واحتلال بيروت بطرد مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في العام 1982. المشهد يتكرر اليوم مع السوريين، ويخشى أن تتكرر حادثة “بوسطة عين الرمانة” ولكن هذه المرة بركاب سوريين.
جبران خليل جبران
ولصدف التاريخ أن هذه الفترة التي تشابكت فيها الأحداث تمر أيضا ذكرى وفاة الكاتب والشاعر اللبناني جبران خليل جبران (في التاسع من نيسان/ أبريل 1931) الذي كان ذا بصر وبصيرة واستشراف المستقبل فيما يخص موطنه الأولي لبنان الذي عانى من المجاعة خلال الحرب العالمية الأولى، ومخلفات الحرب اللبنانية الأولى التي وقع الصدام فيها بين الدروز والموارنة وأسفرت عن مئات آلاف القتلى حيث قال:” الويل لأمة مقسمة إلى أجزاء، و كل جزء يحسب نفسه فيها أمة “.
ويتذكر الفلسطينيون عملية اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس في 16 نيسان/ أبريل 1988 مهندس الانتفاضة الأولى، انتفاضة أطفال الحجارة في الضفة الغربية التي تعاني اليوم من هجوم المستوطنين المغتصبين للأراضي الفلسطينية والاعتداء على الفلسطينيين، وقتل المئات منهم منذ اندلاع الحرب على غزة، والتوتر يزداد يوما بعد يوم بعد الاعتداءات اليومية على الفلسطينيين وممتلكاتهم واحتلال المزيد من أراضيهم وبيناء المستوطنات بوتيرة متسارعة بدفع من اليمين المتطرف الإسرائيلي الذي قام بتسليح المستوطنين، وخاصة بعد احراق خمسة بيوت بشكل كامل وسبعة بشكل جزئي في قرى مغيرة ودوما وعقربا ومخيم نور شمس، في ظل انعدام أي رد فعل من قبل السلطة الفلسطينية، كما فعلت في الانتفاضة الأولى.
إيران واختلاف قواعد الاشتباك
مهما يكن من نتائج ضربة “الوعد الصادق” التي اعتبرها البعض مسرحية سيئة الإخراج، بينما وصفها الموالون لطهران أنها انتصار للجمهورية الإسلامية على “إسرائيل الشريرة”. لكن هذه الضربة غير المسبوقة التي جاءت ردا على مئات الضربات لمنشآت وشخصيات إيرانية داخل العمق الإيراني وفي الأراضي السورية، كان لابد منها لوضع حد للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والتي كان آخرها قصف القنصلية الإيرانية في دمشق التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
ورسالة متعددة الوجهات لكل من يضمر الشر والعداء للجمهورية الإسلامية التي غيرت من الآن فصاعدا قواعد الاشتباك وتوعدت بالرد بشكل أوسع، وأقوى، وأكثر إيلاما إذا ما تجرأت إسرائيل بالرد على عملية “الوعد الصادق” وقد عبر عن ذلك الرئيس الإيراني إبراهيم رئيس في كلمة بمناسبة العرض العسكري بيوم الجيش حيث قامت إيران بعرض قوتها العسكرية. إسرائيل التي تبحث أن يكون لها الكلمة الأخيرة في هذه المواجهة قامت برد وصف بـ”المسخرة” من قبل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، لحفظ ماء الوجه دون أن يؤدي ذلك إلى تصعيد جديد، بينما عاجلت مجموعة السبع في اجتماعها الأخير على الاتفاق بفرض عقوبات إضافية على طهران، ورفض الاتحاد الأوروبي بإدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب. بينما عبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن أمريكا ملتزمة بالدفاع عن إسرائيل، وفي حال قامت إيران بضربة موجعة لإيران فإن واشنطن لا يمكن أن تنأى بنفسها عن هذا التصعيد والمواجهة.
ومهما يكن من أمر فإن مخرجات المواجهة الإيرانية الإسرائيلية أنها انتقلت من حرب الظل بالوكالة إلى العلن والمباشر، في الوقت الذي ظهر تحالف أمني يضم أنظمة عربية وغربية تدعم إسرائيل، وأخرى تطلب الحماية الأمريكية مقابل الانضمام للحلف المعادي لإيران.
غزة تدفع الثمن
ضمن عمليات الأخذ والرد، والتهديد والتهديد المضاد بين إسرائيل وإيران، وتخوف واشنطن من حرب إقليمية تجبرها على تدخل غير راغبة فيه، قايضت دولة الاحتلال بالسماح لها بالهجوم على رفح مقابل عدم الرد على إيران، أو رد “مسخرة” لا يستوجب الرد على الرد.
في تلك الأثناء تتوقف المفاوضات بين حماس ودولة الاحتلال بوساطة قطر بعد إعلانها عن إعادة تقييم دورها في هذه الوساطة بعد التهجم عليها من قبل سيناتور أمريكي ومسؤولين إسرائيليين. وتدرس القيادة السياسية لحماس للانتقال من قطر إلى دولة أخرى. وتظهر في الأفق أن إدارة بايدن توافق على اجتياح رفح للقضاء على حماس، ووافقت على تزويدها بمجموعة كبيرة من الذخائر والأسلحة لهذا الغرض، وفي الوقت نفسه تحاك في الظل محادثات “اليوم التالي”.
وأشارت القناة 12 العبرية عن خطة في قطاع غزة تقوم على قوات دولية بمساعدة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهذه الخطة يتم العمل عليها بين دول عربية وغربية، وتقوم على الاعتراف بدولة فلسطينية، ومصادرة إدارة القطاع من حركة حماس (بذلك يتحقق لإسرائيل انتصارا على حماس كانت قد وضعته ضمن أهداف الحرب)، ووضع سلطة انتقالية دولية لمدة خمس سنوات مهمتها إقامة بنية تحتية للدولة، ثم يتم نقل التجربة إلى الضفة الغربية. والفيتو الأمريكي على حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة يعبر عن ذلك، فالدولة الفلسطينية وحسب نظرة أمريكا لها يجب أن تتم عبر المفاوضات مع إسرائيل، وليس حسب قوانين دولية، وهذا يعني أن الدولة الفلسطينية يجب أن تخضع للشروط الإسرائيلية التي ستسعى ما في وسعها لتعطيلها أو لتتمتع بأقل شروط الدولة المستقلة ذات السيادة والقابلة للعيش بعيدا عن سيطرة دولة الاحتلال التي تريد أن تتحكم بالأمن، والاقتصاد، والمياه، وسواها كي تبقى فلسطين مرتبطة عضويا بدولة الاحتلال.
المصدر : القدس العربي