زياد الرحباني يمسح حافظ الأسد

جادة زياد الرحباني، حافظ الأسد سابقا
جادة زياد الرحباني، حافظ الأسد سابقا


إعلان الحكومة اللبنانية باستبدال اسمها من حافظ أسد إلى زياد الرحباني ليست مجرد استبدال اسم بآخر، بل دلالاتها أبعد بكثير، فحافظ الأسد الذي احتل لبنان لثلاثة عقود ونكل باللبنانيين تماما كما فعل بالسوريين، واغتال عددا من زعماء لبنان التاريخيين مثل كمال جنبلاط وسواه، وكذلك من الصحفيين مثل سليم اللوزي وسواه، وحول لبنان إلى حديقة خلفية يصول ممثليه فيها ويجولون ويتصرفون كحكام لبنان الفعليين، ترك وراءه إرثا ثقيلا من الانتهاكات الجسيمة، ولم يكن وريثه بشار بأفضل منه حيث قام أيضا باغتيالات سياسية وانتهاكات خطيرة بحق الشعب اللبناني. وأرغم الجيش السوري بالانسحاب من لبنان بقرار أممي في العام 2005 وبقي اسم حافظ الأسد على الجادة البيروتية كآخر أثر لمجرم نكل بشعبين شقيقين، وبالطبع فإن اختيار اسم الأسد ليكون على هذه الجادة لم يكن بموافقة كل الأطياف السياسية في لبنان، بل جاء بضغط من حلفائها القدامى، الذين حاولوا انقاذ وريثه بعد اندلاع الثورة السورية ونكلوا بالشعب السوري كما فعل هو سابقا بالشعب اللبناني، واضطر هؤلاء للهروب من سوريا بعد سقوط النظام المدوي على أيدي الثوار السوريين. واليوم لم يعد لديهم كبير تأثير في أي قرار حكومي لبناني.
بعد وفاة المبدع زياد رحباني نجل الإيقونة جارة القمر فيروز، جاء قرار الحكومة ليمسح آخر آثر للمجرم حافظ الأسد في بيروت، وهذا قرار تكريمي لفنان بحجم زياد الرحباني، لكنه أيضا سياسي بامتياز من حكومة أرادت أن تقول، إن هذه الجادة أولى أن تحمل اسم ابن لبنان الذي طبع حقبة طويلة للفن اللبناني والعربي بإبداعاته الموسيقية والمسرحية والغنائية يحترمه اللبنانيون ويقدرونه بأسمى تقدير، من أن تحمل اسم مجرم حرب يمقته اللبنانيون كما يمقته السوريون، والآن أصبح من ذكريات الماضي القاتمة. وزياد الرحباني سيبقى اسمه خالدا على هذه الجادة كفنه الذي سيبقى ما بقي الدهر.
فالفنانون والأدباء لا يموتون في ذاكرة محبيهم، فالمتنبي خلد حاكمين فقط لأنه مدح الأول (سيف الدولة الحمداني)، وهجا آخر (كافور الإخشيدي)، ولولا شعره لما ذكر أحد هذين الحاكمين، أما المتنبي فسيبقى خالدا أبدا، وكذا زياد الرحباني، أما الحكام الجائرين ولو حكموا وعاثوا فسادا في الأرض فنهايتهم مزابل التاريخ، ومسح ذكراهم.