كل عيد يهل علينا نحن المسلمين في عالم عربي مأزوم بمزيد من الهموم، والفقر، والقتل، والتشريد، لم يعد لأعيادنا طعم العيد، وأطفالنا لا يخزنون ذكريات جميلة في هذه المناسبة، فكيف يمكن لطفل فقد بالأمس والديه بقصف صهيوني، همجي، بربري، أن يفرح بالعيد. كيف لأم ثكلى دفنت بالأمس أولادها أن تصنع حلوى العيد لهم. كيف لأب يشترى ملابس جديدة لأولاده وهو لا يجد الخبز لإطعامهم. كيف لشعب يرزح تحت احتلال نازي فاشي ويشهد مقتل المئات منه يوميا أن يحتفل بعيد. قبل شهر رمضان سمعنا زعماء العالم يناشدون لإبرام هدنة خلال الشهر الفضيل، مع تخوف وتوقع بأن استمرار المقتلة الفلسطينية خلاله ستؤجج هذه الحرب وتثير حمية شعوب العرب لنصرة أخوتهم، ومضى الشهر الكريم، كما مضى خمسة أشهر قبله، بمجازر يومية مروعة وصلت إلى عدة آلاف من الأطفال والنساء. ولم تثر حمية أحد، صمت العرب وكأن على رؤوسهم الطير، وكأن المشاهد المروعة التي تبثها قنوات العالم أجمع تقع في جزر الواق واق. وأنظمة العرب المتصهين منها، ومن يدعي المقاومة، أو لا هذا ولا ذاك عجزت عن اصدار بيان تنديد فقط، لا تهديد، فعصر التهديد انتهى منذ زمن. وحل محله زمن الصم، والبكم، والعمى، والخصي. غير مسموح لشعوب العرب أن تعيش بأمان، ولا استقرار، ولا ازدهار، ولا حرية، مع أنهم يمتلكون كل وسائل السعادة. ففي فلسطين أصبح الفلسطيني منبوذا على أرضه، ويقتل يوميا، وفي سوريا أصبح السوري جائعا، ومشردا، وملاحقا أمنيا، ومعتقلا. وفي لبنان أصبح اللبناني كأخيه السوري في فقر ويأس من مستقبل مجهول، ولا يختلف الوضع في مصر، والسودان، واليمن، وليبيا، وسواها، أصبح العيد بالنسبة لأي فرد فيها أن يفر منها، أن يشق البحر حتى ولو ابتلعه للوصول إلى أوربا. ممنوع عليك أيها العربي أن تنتفض ضد الجوع، والظلم، والقتل، والإهانة، والتشرد. ممنوع عليك أن تدافع عن كرامتك كإنسان. كل شعوب العالم تتقدم، وتزدهر، إلا نحن بنو يعرب. مدانون منذ الولادة حتى الممات، لأننا ولدنا في بلاد الأزمات: أزمات بطالة، وتعليم، وصحة، وسكن، ومواصلات، وغلاء، وأمان، وحرية. وكل عيد يهل علينا لم يعد للتهنئة بالقول كل عام وانتم بخير معنى لأنها عكس الواقع والحقيقة، إنها فرحة بطعم الجوع، فرحة بطعم الحسرة، فرحة بطعم الموت، فنحن كل عام ولسنا بخير.