في يوم الإذاعة العالمي تستحضرني ذكريات أول بداية لي في العمل الإذاعي. وفي الواقع لم تكن إذاعة بالمفهوم الإذاعي. والقصة هي أن حزب البعث ونظام الهزيمة الحزيرانية لكي يغوطوا على هزيمتهم حولوا الهزيمة إلى نصر بتفسير "بعثي خنفشاري" وهي أن هدف إسرائيل من الحرب كان إسقاط نظام البعث في دمشق، وبما أنه لم يستطع إسقاط النظام فاعتبر ذلك نصرا مؤزرا، وأصدر أوامره للإذاعة والتلفزيون والصحافة بأن يسلكوا المفهوم ذاته، وأمر إنشاء إذاعات في كل المدارس تبث أناشيد ثورية ووطنية خلال فترة الاستراحة لشحذ الهمم..يومها استدعاني مدير المدرسة مع إثنين آخرين من ثلاثة صفوف مختلفة من الثانوية وسلمنا عمل الإذاعة. وهذه الإذاعة كانت عبارة عن ميكروفون مربوط إلى مكبر صوت خارج النافذة ومسجلة مع اشرطة عليها أغاني نضع الميكرفون بقربها ونقوم بتشغيلها ببساطة، وبين الأغنية والأغنية نلقي بعض الكلمات القصيرة تدور حول مقاومة الاستعمار ونختمها ب شعار البعث: "وحدة حرية إشتراكية"، و"أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة". وكانت الأغاني من نوع التمجيد للبعث مثل "من قاسيون أطل يا وطني" و "البعث قامت ثورته" " والقدس لفيروز" وسواها. لكن الشعور بالهزيمة، وسريان شائعات بيع الجولان من قبل وزير الدفاع حافظ الأسد جعل الكثير من الشباب يرفضون ضمنيا البعث وشعاراته، وأكاذيبه، وتلفيقاته، فما كان منا نحن الثلاثة إلا أن نكسر هذه المهزلة فاشترينا شريطا لأغنية اشتهرت للمغنية صباح في تلك الفترة واسمها:"زفوني، زفوني، وع الورد مشوني، وع جناح فرحتنا للحلو ودوني"، واتفقنا أن نقول أن الشريط وضعناه بالخطأ عندما ستتم محاسبتا، وكان للنظام مخابراته من الطلاب يكتبون التقارير بالطلبة المعارضين. وفي أول استراحة بدأنا البث بكلمة ثورية ثم وضعنا مباشرة أغنية صباح فأحدثت ضجة كبيرة بين الطلاب، ومن ثم التصفيق والضحك. فتم استدعاؤنا من المدير مباشرة ورغم تأكيدنا الكاذب له بأنها كانت بالخطأ إلا أنه خشي المخابرات وقام بطردنا أسبوعين مع استقدام ولي الأمر. هذه الحادثة كانت سببا أساسيا في توجهي للاختصاص في الإعلام فور تخرجي من الثانوية العامة، وكان أول عمل إذاعي لي كرئيس تحرير في إذاعة الشرق في باريس، ثم قمت بتأسيس وإدارة إذاعة إم بي سي إف إم وسبيكتروم راديو في لندن، وتأسيس ورئاسية تحرير إذاعة الأمم المتحدة في الخرطوم مرايا إف إم، وترأست تحرير إذاعة مونت كارلو في باريس، وساهمت في تأسيس إذاعة روزانا في باريس، ورغم أني كنت اتناوب في العمل التلفزيوني والإذاعي في أكثر من قناة تلفزيونية عربية ودولية إلا أن الإذاعة كانت مدرستي الأولى وإليها أحن دائما، وإلى هفوتي الأولى التي وضعتني على سكة الإعلام الإذاعي:"زفوني زفوني"