أمريكا ودولة الاحتلال وجهان لعملة واحدة

علما دولة الاحتلال وأمريكا
علما دولة الاحتلال وأمريكا

(عن القدس العربي)
جاء موقف الولايات المتحدة الأمريكية من حرب دولة الاحتلال الهمجية البربرية على غزة باستخدامها حق الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار صادما وغير إنساني رغم اتخاذ حلفائها موقفا مغايرا كموقف فرنسا التي أيدت القرار مع باقي الدول الثلاث عشرة في المجلس، أو محايدا كموقف بريطانيا التي امتنعت عن التصويت. وموقفها لم يتغير في الجمعية العامة رغم أن حلفاءها الآخرين مثل كندا وأستراليا ونيوزيلاندا صوتت مع قرار وقف إطلاق النار مع ثلاثة أرباع دول الجمعية.
هذه المواقف تعكس مدى انخراط واشنطن والرئيس جو بايدن الذي قال عن نفسه أنه صهيوني كبير، و»لو أن إسرائيل لم توجد لوجب وجودها» وصرح بعد مقتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين بأنه يطلب من إسرائيل أن تكون أكثر دقة في قصفها للمدنيين، مع العلم أن نصف القنابل التي ألقاها جيش الاحتلال على غزة كانت قنابل «غبية» أي تضرب خبط عشواء وهي شبيهة بالبراميل المتفجرة التي ألقاها نظام بشار الأسد على المدن السورية وقراها. هذا الموقف رغم دعمه الكامل لدولة الاحتلال لم يرق لرئيس وزراء دولة الاحتلال وخاصة بما يتعلق سياسته لما بعد حرب غزة وخلافه العميق معه حسب ما صرح بايدن نفسه.
جاء موقف الولايات المتحدة الأمريكية من حرب دولة الاحتلال الهمجية البربرية على غزة باستخدامها حق الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار صادما وغير إنساني
موقف إدارة بايدن في هذه الحرب اللاإنسانية جاء لإنقاذ ربيبة أمريكا التي بدا أن جيشها الجرار «الأخلاقي والأقوى في الشرق الأوسط» يغرق في وحول غزة ويتكبد خسائر فادحة في العتاد والأرواح من مجموعات مقاتلة لا يساوي أعدادها 5% من تعداد الجيش الجرار، ولا تقارن أسلحتها التي لا تتعدى الأسلحة الفردية، ومدافع الهاون بالجيش الذي يمتلك أحدث الأسلحة، وأكثرها تدميرا من طائرات مقاتلة من «الإف 15و16،,35» تدك مباني غزة وتقتل ساكنيها، ودبابات ومدرعات، و»تشكيلة» قنابل الأعنف انفجارا وفتكا أهدتها أمريكا له يستخدمها هذا الجيش «الأخلاقي» حتى قنابل الفوسفور الأبيض منها. إزاء هذا المشهد غير المسبوق في خيبة الجيش الذي «لا يقهر» (والذي هزم سابقا جيوش الدول العربية) غير القادر اليوم على هزيمة مجموعات مقاتلة بأسلحة فردية بعد شهرين ونصف من حرب شعواء وضع إدارة البيت الأبيض، والرئيس بايدن شخصيا الذي أمر حاملات الطائرات والمدمرات، بالتوجه إلى بحر غزة، وبجسر جوي تجاوز مئات الطائرات التي حملت كل المعدات والذخائر بما فيها أكثر القنابل اختراقا للتحصينات، في حيرة من أمره، خاصة وأن الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي تحول ضده ويهدد حملته الانتخابية. فهزيمة هذا الجيش هي أيضا من هزيمة أمريكا نفسها خاصة وأن ضباطا أمريكيين وحتى رئيس أركان الجيش الأمريكي يشاركون في هذه الحرب، وهزيمة حلفائها المتورطين أيضا، فلا بد من تحقيق نصر مهما كان شكله لحفظ ماء الوجه ومن هذا المنطلق جاء فيتو بايدن ليطيل أمد الحرب عدة أشهر ومعه معاناة الشعب ومجازر أطفاله ونسائه ودمار مدنه على مرأى شعوب العالم التي ناهضتها ودعت لوقفها في مظاهرات حاشدة لنصرة فلسطين لم يشهد لها التاريخ مثيلا. لقد انقلب السحر على الساحر.
الولايات المتحدة التي تغطي نفسها بمبادئ سامية من حقوق الإنسان، وضمان الحريات، والديمقراطية الأولى في العالم لا تتطابق مبادئها مع مواقفها وتاريخها فهي أكثر دولة في العالم خاضت حروبا ضد دول أخرى، وقامت بسرقة أراضي بعض منها، أو أبادت شعوبا بأكملها، أو قتلت الملايين في بعض آخر. وارتكبت أكبر المجازر وجرائم الحرب وضد الإنسانية، فلا أحد ينسى كيف أبادت أكثر من مئة مليون من قبائل الهنود الحمر، للاستيلاء على أراضيهم، واستعباد الملايين من الأفارقة بعد اختطافهم من بلدانهم في أكبر تجارة رق عنصرية عرفتها البشرية. ثم خاضت 90 حربا بدأت بغزو نيكاراغوا في العام 1833، ثم البيرو، وغزت المكسيك واحتلت ما يعرف اليوم بتكساس ونيومكسيكو وضمتهما لأمريكا، وغزت أورغواي وقناة بنما، وقامت بغزو كولومبيا، وتدخلت في تشيلي وهاييتي حيث سرقت قوات المارينز البنك المركزي بحجة استرداد
ديونها، وحاصرت كوبا واحتلت خليج غوانتانامو وبنت فوقه السجن السيئ السمعة، وفي بداية القرن العشرين تم الهجوم على هندوراس، وقمعت ثورة جمهورية الدومينكان، والانتفاضة المناهضة للولايات المتحدة في الفليبين، وتدخلت عسكريا في كوستاريكا، وغواتيمالا، والهندوراس بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة. وفي الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين قامت أمريكا بالتدخل عسكريا في تركيا، والسلفادور، والصين، والهندوراس، وبنما، ونيكاراغوا، وهايتي.
في التنافس الاستعماري بين الدول الغربية (أمريكا، فرنسا، بريطانيا، هولندا واليابان) في المحيط الهادي وبحر الصين، قررت اليابان التي احتلت أجزاء من الصين وكوريا أن تضرب الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر في جزيرة هاواي في بداية العام 1941 وكانت الحرب العالمية على أشدها بين ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية المتحالفتين وفرنسا وبريطانيا بشكل أساسي قبل أن ينضم الاتحاد السوفييتي لهما، هذه الضربة القوية لليابان للأسطول الأمريكي دفعت واشنطن للدخول في الحرب إلى جانب الحلفاء والتي كان لها أكبر الأثر في ترجيح كفة الحرب لصالح الحلفاء وتدمير الجيشين الألماني والإيطالي، وما إن حطت الحرب أوزارها بانتصار الحلفاء رفضت اليابان الاستسلام دون قيد أو شرط حسب إعلان مؤتمر بوتسدام في 2آب/ أغسطس 1945، فقامت الولايات المتحدة بأمر من الرئيس هاري ترومان باستخدام السلاح النووي المخترع حديثا، وفي السادس من شهر آب/أغسطس (أي بعد أربعة أيام فقط من إعلان بوتسدام) ألقيت قنبلة نووية على هيروشيما اليابانية وتبعتها قنبلة أخرى على ناغازاكي في التاسع منه. أسفرتا عن تدمير المدينتين ومقتل وإصابة مئات الآلاف. وهنا نشير إلى أن اليابان قد ضربت هدفا عسكريا بأسلحة تقليدية، في حين أن الرد كان بأسلحة دمار شامل وعلى أهداف مدنية، وكان من الممكن تحاشيها، وكانت واشنطن وحسب المؤرخ الأمريكي جيمس وينغارتنر تعتبر اليابانيين «حيوانات» تماما كما وصفت دولة الاحتلال الغزيين والعرب إجمالا بالحيوانات، وعلى نفس المقياس قامت دولة الاحتلال بضرب المدن الغزية بكل الأسلحة المحرمة دوليا، ومن قنابل غبية (تضرب عشوائيا) أهدافا مدنية، وقنابل ذكية تضرب بدقة كل أهدافها التي كانت معظمها مدنية، والمدارس والمشافي فقتلت حوالي 20 ألفا وربما نفس العدد تحت الأنقاض، وإصابة لا يقل عن خمسين ألفا آخرين. ولم يغب عن بال أحد وزراء الصهاينة بالدعوة لاستخدام القنابل النووية لضرب غزة. لكن كان من الصعب استخدامها لأن أضرارها ستعم المنطقة بأكملها.
عملت أمريكا بعد الحرب بالسيطرة على العالم اقتصاديا عبر مقررات مؤتمر بروتون وودز بجعل الدولار عملة عالمية تحل محل الذهب في احتياطيات البنوك المركزية العالمية فنهبت ثروات العالم عبر صك مئات المليارات من عملتها وشراء كل ما يلزمها بقيمة تعادل قيمة ورق العملة. وعسكريا فقد استمرت في تدخلاتها في اليونان، والفليبين، وبورتوريكو، وشاركت في حرب الكوريتين، وإيران حيث قضت على حكومة محمد مصدق، وأطاحت بحكومة غواتيمالا، وتدخلت في الحرب الأهلية الثانية في لبنان 1958، وهاجمت لاوس، وهايتي، والإكوادور، وبنما، وكوبا في أزمة خليج الخنازير، ودعمت دولة الاحتلال في حرب 67 ضد الجيوش العربية، وغزت فيتنام حيث ارتكبت فيها جرائم لا تغتفر باستخدام النابالم والغازات السامة المحرمة دوليا، واغتالت تشي غيفارا في بوليفيا، ورئيس تشيلي المنتخب سلفادور أليندي (كما فعلت دولة الاحتلال باغتيال القادة الفلسطينيين) وشنت حربا على أفغانستان، بعد أن أنشأت القاعدة والطالبان وداعش، باعتراف منها وانقلبت عليها فيما بعد باسم الإرهاب، ونشرت صواريخها النووية في أوروبا، وشاركت في حرب البوسنة، واختصارا فقد قامت بالعدوان على عدة دول في العالم العربي، كما فعلت دولة الاحتلال حيث هاجمت (العراق، وسوريا، والأردن، ومصر، والسودان، وتونس، ولبنان، وفلسطين). واليوم تتم المشاركة بين الحلفاء في جرائم الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة، وعندما طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن يخفض من قتل المدنيين أجابه:» أنتم قتلتم الملايين في اليابان وفيتنام والعراق وأفغانستان» بمعنى آخر نحن الوجهان للعملة الواحدة.