قفا لا نبكي على أطلال الجامعة العربية

الجامعة العربية
الجامعة العربية

(عن القدس العربي)
لست الأول من ينعى الجامعة العربية في موتها السريري ولن أكون الأخير، ففي 9 سبتمبر/أيلول دعا المجلس العربي في بيان له الشعوب العربية إلى اعتبار الجامعة “كيانا ميتا انتهى في العقول والقلوب، ولا أمل يرجى في إصلاحه وإحيائه ما دام واقعا تحت سلطة الديكتاتوريات العربية العميلة والفاقدة لقرارها والمنفصلة عن قيم وطموحات شعوبها..وأضحت أداة لتمرير سياسات مفروضة من قوى الهيمنة الدولية بهدف تصفية القضية الفلسطينية”
كامب ديفيد
وجاءت هذه النعوة إثر إسقاط الجامعة العربية لمشروع قرار فلسطيني لإدانة اتفاق تطبيع الإمارات مع دولة الاحتلال. وبالطبع كل عمليات التطبيع بدء من “كامب ديفيد ونهاية باتفاقيات إبراهيم” ليست بصالح القضية الفلسطينية، وتعارض تماما مع قرار الجامعة نفسها الصادر عن مؤتمر قمة الخرطوم في العام 1967 بلاءاته الثلاث:” لا سلام، لا تفاوض، لا اعتراف” بدولة الاحتلال.
وعلى ضوء الأحداث الجارية أمام أعين أنظمة العرب المطبعة، ومن في طريقها للتطبيع، ومن لا تجرؤ على البوح به وتنتظر الفرصة تسنح بذلك في استباحة دولة الاحتلال غزة وارتكابها أفظع المجاز والدمار لم يصدر عن الجامعة العربية سوى بيان لا يرقى إلى مستوى الحدث الجلل والذي كان يستحق قمة استثنائية على مستوى كل زعماء العرب واتخاذ قرار موحد بسحب كل سفراء الدول المطبعة من دولة الاحتلال على أقل تقدير، وحتى في المؤتمر العربي الإسلامي في الرياض لم يكن على المستوى المرتجى بل بيانه الختامي لم يختلف عن نظيره من الجامعة العربية، والبيانان أثارا سخرية العالم أجمع، حتى أن اللجنة المنبثقة عنه والتي أوكلت لها مهمة اقناع الدول الكبرى بالضغط على دولة الاحتلال قامت بزيارة للصين، ثم واشنطن بالتزامن مع استخدام واشنطن الفيتو ضد قرار وقف فوري لإطلاق النار في غزة وموقفها لم يتعد “الامتعاض” من الموقف الأمريكي.
الحرب العالمية الثانية
ولم يكن هذا الإخفاق رغم فداحته الأول في تاريخ الإخفاقات لمنظمة تقول عن نفسها “جامعة لدول عربية” وهي أول منظمة أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، فهي سبقت منظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول عدم الانحياز، والاتحاد الإفريقي، والبريكس وسواها التي كانت أفضل منها أداء وإنجازا.
فالجامعة العربية التي تأسست في العام 1945 وتنص المادة الثانية من ميثاقها: “الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها” بقيت عقدين من الزمن عاجزة عن عقد اجتماع واحد رغم ما مر خلال هذه الفترة من أحداث: (حرب النكبة مع دولة الاحتلال 48، حرب السويس الثلاثي مع فرنسا وبريطانيا ودولة الاحتلال 56، حرب التحرير في الجزائر 56، حرب لبنان الأهلية58، انفصال الوحدة المصرية السورية 61، الأزمة العراقية ـ الكويتية 61)، فأول اجتماع تم انعقاده كان في العام 64 ولسبب رغم أهميته فهو أقل أهمية من كل الأحداث السابقة وهي نية دولة الاحتلال بتحويل نهر الأردن، واتفق زعماء العرب على تحويل النهر قبل إسرائيل، لكن قرار الجامعة ككلام الليل الذي يمحوه النهار لم يتم أي إجراء فعلي وانتهى الأمر بتحويل النهر من قبل دولة الاحتلال.
مؤتمر الخرطوم
وللاختصار فإن مواقف الجامعة جمعت خلال تاريخها خيبات لا تنتهي، من مؤتمر الخرطوم إلى آخر مؤتمر في الرياض، مرت الدول العربية بأزمات وحروب عديدة:( حرب ظفار 62ـ 75، حرب تشرين الأول/أكتوبر73، حرب الصحراء الغربية، الحرب الأهلية اللبنانية 75 ، اتفاق كامب ديفيد فاتحة التطبيع مع الاحتلال وطرد مصر من الجامعة 79والتي تبين فيما بعد أنها غير قادرة على صد أي عملية تطبيع لاحقة بل باركتها، احتلال دولة الاحتلال لبيروت وطرد منظمة التحرير من لبنان82، الحرب العراقية الإيرانية 80ـ88، غزو العراق للكويت 90، الحرب الأهلية في السودان 83ـ95 وانفصال الشمال عن الجنوب، والحرب في دارفور.
الاجتياح الأمريكي للعراق 91، وإسقاط النظام فيه 2003 وشنق صدام حسين، حرب اليمن 94، كل أزمات الربيع العربي في سوريا، وليبيا، واليمن، كل هذه الأزمات لم تتمكن الجامعة العربية من تقديم أي حل واكتفى الزعماء العرب في كل قممهم بإصدار بيانات لا يختلف أحدها عن الآخر لينتهي في الأدراج تعلوه الغبار.
أين الخلل؟
بقراءة ميثاق الجامعة العربية يتبين الخلل بوضوح، فمنذ تأسيسها لم يعدل هذا الميثاق مع تبدل أحوال الدول العربية ومساراتها فهي ضمت منذ البداية أنظمة ملكية تعادي أنظمة جمهورية، وأنظمة يمينية تعادي أنظمة يسارية، وتفاقمت الخلافات مع تعاظم ظهور تيار قومي عروبي كبير في فترة الخمسينيات والستينيات ضد تيار إسلامي عالمي، وفي الوقت الراهن دول مطبعة مع دولة الاحتلال، ودول ضد التطبيع. وفي حالة الحرب في غزة هناك دول تعادي الإخوان المسلمين وبالتالي حركة حماس ودول تؤيدها، ومن مع يتحالف مع إيران ومن هو ضدها..
هذه العوامل جعلت من أي قرار في الجامعة عربية يواجه من يعارضه. كما أن قرارات الجامعة حتى لو تم التوافق عليها لا تحترم ولا تطبق. بقراءة المادة رقم 5 نرى مدى عدم الوضوح في النص: “لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، فإذا نشب بينهما خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها ولجأ المتنازعون إلى المجلس لفض هذا الخلاف كان قراره عندئذ نافذا وملزما”.
وفي المادة السادسة تنص: “إذا وقع اعتداء من دولة على دولة من أعضاء الجامعة، أو خشي وقوعه فللدولة المعتدى عليها، أو المهددة بالاعتداء، أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا، ويقرر المجلس التدابير اللازمة لدفع هذا الاعتداء ويصدر القرار بتوافق الآراء، وإذا تعذر ذلك يصدر القرار بموافقة ثلثي الدول الأعضاء الحاضرة”.
ففي حالة الحرب على غزة كان من الممكن اتخاذ قرار بموافقة ثلثي الأعضاء في حال امتناع الثلث لإنقاذ شعب غزة باستخدام كل الوسائل المتاحة لدى الأنظمة العربية لوقف هذا الاعتداء الوحشي على شعب فلسطين في غزة، ونصرة القضية الفلسطينية التي كانت يوما قضية العرب الأولى في كل القرارات التي صدرت عن الجامعة العربية، أما اليوم فباتت هذه القضية في موقع الجدل ووجهات النظر، وشعب غزة يموت تحت أنظار العالم أجمع ويتساءل كثيرون أين العرب؟
كاتب سوري