لف حدث مجزرة ضباط الكلية العسكرية الذي وقع في مدينة حمص الكثير من الغموض، وأثار تساؤلات عديدة، واستنكارا كبيرا من جميع الأطراف دون استثناء. هذه المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من 100 قتيل وأكثر من 200 جريح أثارت الذعر والاستنكار والاستغراب من الجميع وخاصة بين أهالي الضباط (ومعظمهم من الطائفة العلوية) الذين فقدوا أبناءهم في يوم تخرجهم وفرحتهم، النظام سارع بالتصريح في بيان سريع (كأنه أعد سلفا) بتوجيه الاتهام “للإرهابيين” من المعارضة المسلحة. لكن هذا البيان أثار شكوكا كثيرة.
ـ أشار بيان النظام إلى أن التفجير وقع بواسطة “هجوم إرهابي بطائرات مسيّرة”، وهذا يعني أن أكثر من طائرة قامت بالهجوم. ودحض محللون هذه الأطروحة كون أقصى مسافة يمكن للمسيّرات محلية الصنع أن تقطعها لا تتعدى 40 كم في الوقت الذي تفصل مناطق المعارضة عن مدينة حمص مسافة تقدر ب 130 كم. وقد لوحظ أنه لم تحدث تفجيرات هذه المسيّرات أية حفر في أرضية ساحة الكلية، ففي قصف من طائرات من هذا النوع بالقنابل لابد وأن تحدث فجوات في الأماكن التي تسقط فيها، كما أنه لم يقدم النظام إي دليل قاطع حول هذه الطائرات حتى أنه لم يظهر أي قطع منها لو تمكنت دفاعات النظام من إسقاط إحداها، وحطام الطائرة التي بث النظام صورها على أنها الطائرة التي أسقطها تعود في الواقع لحطام طائرة تركية اسقطتها القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا. فالمنطقة محصنة جدا بقطع عسكرية من بينها 3 كتائب ردار ودفاع جوي قادر على كشف أي مسيّرة قادمة في السماء قبل أن تصل إلى مكان الكلية. ومن البديهي أن تتخذ كل الإجراءات الأمنية في احتفال تخرج مئات الضباط، وهذا ما دفع البعض إلى الترجيح أن التفجير كان مخططا له ومهيأ في المكان قرب المنصة الرئيسية المخصصة للضيوف ليكون جاهزا للتفجير عن بعد.
خفض التصعيد
ـ أكد نائب رئيس مركز المصالحة الروسي بين الأطراف المتحاربة في سوريا، أوليغ إيغوروف، قبل ساعتين من الحادث استعداد إرهابيين في منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب السورية، لتنفيذ أعمال تخريبية وهجمات على مواقع لقوات الحكومة السورية بطائرات مسيّرة” فلو كان التصريح صحيحا لماذا لم يأخذ النظام إجراءات الحماية والأمان؟ أم أن الإعلان ينم عن تنسيق مسبق لدعم مصداقية سيناريو النظام؟
ـ في مثل هذه المناسبات كان النظام دائما يستضيف شخصيات عسكرية من دول حليفة كروسيا والصين وكوريا وإيران، لكن هذه المرة لم يحضر أي ضيف أجنبي الحفل.
ـ وقع التفجير بعد انسحاب وزير الدفاع وكبار الضباط والمحافظ بـ 21 دقيقة فقط، فإذا كان التفجير مخططا له من قبل المعارضة “الإرهابية”، كما يدعي النظام، فإن الهجوم سيكون أنجع إذا نفذ في بداية الاحتفال وليس في نهايته بعد انسحاب كبار الضباط. وحسب معلومات مسرّبة فقد تم الاتصال بوزير الدفاع للانسحاب من المكان فور انتهاء الحفل، وإذا صح هذا الكلام فإن التخطيط لهذه المجزرة لم يكن على علم بها.
ـ بعد فحص التسجيلات المصورة بدقة من قبل خبراء عسكريين لوحظ أن الضحايا انتشرت على مساحة واسعة في عدة مواقع، وأن هناك إصابات كثيرة في الأطراف السفلية مما يشير إلى أن تفخيخا متعددا في مواقع قريبة من المنصة خاصة كون جميع الزوار موجودين في المنصة وفور انتهاء الحفل سينزلون الى الساحة للقاء أبنائهم الذين حسب الصور الأولى تظهر أن طلاب الكلية هرولوا جميعا للقاء ذويهم وخلال هذه اللحظات تم التفجير ليوقع أكبر عدد من الضحايا.
ـ وأشارت جهات أخرى إلى انعدام وجود وسائل إعلام النظام التي عادة ما تحضر في مثل هذه الاحتفالات بكثافة وتبثها مرات عديدة على شاشاتها وإذاعاتها لإعطاء الانطباع بأن حالة الجيش تسير بشكل طبيعي وأنه يقوم بتجديد قدراته وكفاءاته، ولهذا السبب لم تنتشر سوى فيديوهات تم تصويرها من قبل بعض طلاب الكلية أو من الزوار على وسائل التواصل الاجتماعي.
لم يتوان النظام المأزوم عن ارتكاب مثل هذه المجازر كلما شعر بأن هناك ما يهدد وجوده ففي تاريخ 18 تموز/ يوليو 2012، تم تفجير مبنى الأمن القومي حيث كان وزير الدفاع داوود راجحة، ونائبه وزوج ابنة حافظ الأسد آصف شوكت، ورئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، ورئيس فرع التحقيق في أمن الدولة محمد الشعار يجتمعون لبحث الخطوات التي يجب اتخاذها لوقف حمام الدم في سوريا، وخشي بشار الأسد من انقلاب ضده فقام بهذا التفجير، واستمر في سياسة القتل وتدمير القرى والمدن السورية المنتفضة. وتم اتهام المعارضة الإسلامية المسلحة بهذا التفجير.
ضغوط عربية
يقول العميد عبد الباسط الطويل: بتاريخ 16/4/1986 كنت طالبا مستجدا في الكلية الحربية وكان موعد المغادرة إلى أهالينا تم تقسيم الطلاب إلى دفعتين، وغادرت الدفعة الأولى وكنت من بين هذه الدفعة، بعد أن انطلقت الحافلات إلى مدن الساحل انفجرت عدة عبوات ناسفة في الحافلات وسقط العديد من القتلى والجرحى، وتم توجيه الاتهام للإخوان المسلمين. من فجر تلك الحافلات وكيف وصل تنظيم الإخوان المسلمين إلى قرى وبيوت وحافلات هي في الأصل من الساحل السوري وتمكن من تفخيخها؟ في تلك الأثناء كانت هناك من أجل إجراء مصالحة بين النظام والإخوان المسلمين.
ويتابع العميد الطويل: طبعا الذي فجر الحافلات كانت الاستخبارات السورية وبالذات فرعها العسكري الذي يشرف عليه علي دوبا، وكان الهدف إيصال رسالة للعرب بأن المصالحة مع الإخوان مستحيلة بعد هذا التفجير. هذا النظام قاتل والقاتل بعد إدانته بالقتل لا يعد مهما كم هم عدد الضحايا الذين قتلهم ولا يهم جنسهم أو دينهم، في هذا التفجير كان معظم القتلى من الطلاب من الساحل (علويين).
دخل نظام الأسد منذ فترة في جمود سياسي، وتدهور اقتصادي تزامن مع انتفاضة جبل العرب التي لم تعد تحت سيطرته وتضاف إلى محافظة إدلب و شمال شرق الفرات (المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد)، ولم يتجرأ على قمع هذه الانتفاضة لأن عواقبها وخيمة عليه محليا ودوليا، وقرب محاكمته في محكمة العدل الدولية (10و11 تشرين الأول/ أكتوبر) بدعوة من حكومتي كندا وهولندا لعدم التزاماته بالاتفاقيات الدولية، وتنفيذ الالتزامات التي تفرضها اتفاقيات حظر التعذيب، وحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، والاتفاقيات الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية. بالإضافة إلى توقف الدول العربية المطبعة معه عن الدعم الذي كان موعودا به بسبب استمرار نظامه في تصنيع وتصدير مخدر الكبتاغون، هذه العوامل مجتمعة دفعته ليكرر سيناريوهات القتل وإلصاق التهم بالآخرين، والسير خلف جنازات القتلى.