(عن القدس العربي)
انطلقت ثورة الموحدين، وما يعرفون ببني معروف في جبل العرب، ضد النظام الأسدي بعد صمت طويل، ولكن كما قال سماحة الشيخ حكمت الهجري “الصمت لا يعني الرضا”، فهناك مواجهة صامتة تعود إلى ستينيات القرن الماضي، وخاصة بعد ما سمي بحركة 23 شباط/فبراير بعد أن تولى حزب البعث السلطة في العام 1963، (انقلاب قاده اللواء صلاح جديد ضد مؤسسي حزب البعث القوميين، وتمت مهاجمة مقر الرئيس أمين الحافظ من قبل سليم حاطوم الذي ينتمي لطائفة الموحدين، وفر الزعماء التقليديون من سوريا واستقر معظمهم في العراق).
من بين الزعماء المؤسسين لحزب البعث شبلي العيسمي الذي ينتمي إلى طائفة الموحدين، والذي تولى منصب نائب أمين عام الحزب. مع قيام الثورة السورية في العام 2011 ضم صوته لصوت الثورة، فقامت مخابرات الأسد باختطافه في لبنان وهو بعمر 88 عاما وتم نقله إلى دمشق ومن المرجح مقتله تحت التعذيب. أما بالنسبة لسليم حاطوم الذي شعر بأن اللجنة العسكرية التي كان ينتمي إليها لم تعطه حقه من التقدير الذي يستحق بعد المهمة التي أوكلت إليه بالهجوم على مقر أمين الحافظ، قام بتشكيل لجنة عسكرية معظم أعضائها (حوالي 200 ضابط) من طائفة الموحدين وعلى رأسهم الضابط الكبير فهد الشاعر، وحمود الشوفي. وقرروا بالانقلاب على صلاح جديد، وحافظ الأسد وقد انكشف أمر العملية وتمت تصفية جميع الضباط المنتمين لطائفة الموحدين في الجيش السوري.
سليم حاطوم، الذي هدده حافظ الأسد بالطيران الحربي بقصف مواقع حركته في السويداء بعد أن احتجز الرئيس نور الدين الأتاسي، وصلاح جديد وهدد بقتلهما، هرب إلى الأردن، ثم عاد بعد هزيمة حرب حزيران/يونيو إلى سوريا حيث ألقي القبض عليه وإعدامه.
عروبة أهل الجبل
هذه الأحداث بقيت في الذاكرة العامة في جبل العرب (تجدر الإشارة هنا إلى أن سلطان باشا الأطرش هو من أطلق اسم جبل العرب بدل جبل الدروز تأكيدا على عروبة أهل الجبل)، وقد تم تهميش المنطقة بأكملها خلال كل فترة حكم حافظ الأسد، خاصة بعد التخلي عن الجولان لإسرائيل من قبل حافظ الأسد الذي كان في منصب وزير الدفاع حسب البلاغ رقم 66 الذي يأمر الجيش السوري بالانسحاب الطوعي من الجولان دون قتال بحجة أن جيش الاحتلال وصل إلى القنيطرة، وفي الواقع لم يكن تقدم قدما واحدا في الجولان، فإن معظم أهالي قرى ومدن الجولان قد نزحوا عن المنطقة ماعدا قرى الموحدين (مجدل شمس، بقعاتا، الغجر، عين قنية) إذ فضلوا البقاء في أراضيهم وقد حاولت دولة الاحتلال الإسرائيلي بشتى الوسائل ضمهم إلى دروز إسرائيل إلا أنهم رفضوا الهوية الإسرائيلية، والخدمة في الجيش الإسرائيلي.
لم ينس حافظ الأسد هذا التحدي لأن من أراد البقاء في الجولان لا يمكن لأي قوة أن تطرده منه، في حين أن النظام الأسدي، الذي صدّع رؤوس السوريين بالصمود والتصدي والمقاومة والممانعة لاسترجاع الجولان، لم يطلق طلقة واحدة باتجاه إسرائيل منذ نصف قرن ونيف وهي التي تقصفه باستمرار وتعطل المطارات والمرافئ السورية بوتيرة أسبوعية دون أي رد.
مع انطلاقة الحرب اللبنانية ـ اللبنانية في العام 1975، تحالف موحدو لبنان مع المقاومة الفلسطينية بزعامة كمال جنبلاط وياسر عرفات مع أحزاب يسارية أخرى في جبهة الحركة الوطنية التي كادت تسيطر على كامل لبنان، وهذا يعني بالنسبة لحافظ الأسد سحب البساط من تحت قدميه، خاصة وأنه كان يسعى دائما للسيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية ولبنان، وكان على خلاف شديد مع ياسر عرفات. عمل حافظ الأسد جاهدا على شق المقاومة الفلسطينية باستقطاب بعض الفصائل الفلسطينية، (الجبهات الشعبية والديمقراطية والقيادة العامة، ثم حماس والجهاد الإسلامي). وعندما استشعر الغرب خطر انتصار المقاومة في لبنان على إسرائيل أعطى الضوء الأخضر للأسد بغزو لبنان مع تفويض من الجامعة العربية، تحت مسمى ” قوات الردع” وشن هجومه الأول على مخيمات الفلسطينيين وأشهرها “تل الزعتر”، وعمل على طرد المقاومة الفلسطينية من لبنان في العام 1982 بعد أن احتلت إسرائيل بيروت، وتمت بعدها مباشرة مجازر صبرا وشاتيلا. وبما أن نظامه كان قائما على الاغتيالات السياسية للتخلص من أي شخصية يمكن أن تهدد وجوده (لا طائفية في الاغتيالات)، فقد حاول عبثا اغتيال ياسر عرفات، لكنه نجح في اغتيال زعيم الدروز ذي المكانة الكبيرة عربيا ودوليا وفي لبنان كمال جنبلاط في 16 آذار/مارس 1977. وقد أثار هذا الاغتيال استياءً كبيرا في طائفة الموحدين في لبنان وسوريا وحتى في إسرائيل. وقد حاول أيضا اغتيال نجله وليد جنبلاط الذي ورث الزعامة عن والده أكثر من مرة لكنه فشل في ذلك.
يبلغ عدد السكان الموحدين في سوريا حوالي 700 ألف مواطن، أي ما يعادل 3 في المئة من السكان يقيمون في جبل العرب، يقيمون في السويداء وضواحيها وفي بعض ضواحي دمشق (جرمانا، صحنايا، جديدة عرطوز)، وفي الشمال في منطقة إدلب. مع قيام الثورة في العام 2011 وقف الموحدون على الحياد، وبتعبير أدق رفضوا محاربة الثائرين السنة كما طلب منهم بشار الأسد بتحريضهم على جيرانهم في درعا مهد الثورة السورية لكن وليد جنبلاط ومشايخ العقل حالوا دون ذلك ورفضوا حتى أن ترسل جنودهم للقتال على الجبهات.
الطائفة الدرزية
لكن النظام لم ير بعين الرضا موقف الموحدين، أو حسب مفهومه “إذا لم تكن معي فأنت ضدي”. في 15 أيلول/ سبتمبر قام النظام باغتيال شيخ “مشايخ الكرامة” وحيد البلعوس الذين رفضوا التجنيد الإجباري لقتال سنة سوريا.
منذ ذلك التاريخ حاول النظام أن يدفع “بالدواعش” لضرب الموحدين وارتكبوا فيهم بعض المجازر تحت أعين الروس، وجندوا عصابات من الطائفة تعمل لحساب النظام في أكثر من منطقة، واحتدمت المواجهات بين النظام والموحدين بعد أن وجه رئيس فرع الأمن العسكري في جنوب سوريا، العميد لؤي العلي إهانات لزعيم الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، حكمت الهجري ولكل الطائفة الدرزية ما أشعل جذوه الاحتجاجات التي ترافقت مع الانهيار الاقتصادي، وتدهور سعر الليرة السورية وارتفاع الأسعار فانطلق شباب السويداء باحتجاجات متكررة طالت بعض الأبنية الحكومية ولم يجرؤ النظام على مواجهتها. وبعد رفع أسعار المحروقات ازدادت الاحتجاجات حدة وانطلقت الحناجر تردد شعار الثورة: “الشعب يريد إسقاط النظام”. ويحاول النظام حاليا شق صفوف الموحدين ببث الفرقة بين شيوخ العقل باستقطاب شيخ عقل يوسف الجربوع الموالي للنظام الذي صرح: “أن علم النظام هو الراية التي يعترف بها”. وأكد “عدم الخروج عن قرار القيادة والدولة التي تمثّل الشعب السوري، لدينا ثوابت مشى عليها أهلنا من قبل، ممثلةً بالدولة السورية والجيش وقيادة السيد الرئيس (بشار الأسد)، ونطلب من أهلنا أن يكون هناك توجه كامل بعدم الخروج عن الخط الوطني”. ورد شيخ العقل حكمت الهجري: “أحذّر من الناس المأجورين لإحباط همم المتظاهرين إن هناك شيئا يتم العمل عليه بهدف إحباط الهمم من قبل ناس مأجورين وهؤلاء الأشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم ومطالب المتظاهرين لن يتم التنازل عنها”. وعلى عادة الأسد في وقت الأزمات يحاول بقرارات لا قيمة لها امتصاص النقمة فقام هذه المرة بإلغاء المحاكم الميدانية التي قتلت عشرات الآلاف من السوريين الأبرياء، وللأحداث بقية.