الطغاة تلاميذ غير نجباء للتاريخ

تمثال حافظ الأسد تحت نعال ثوار السويداء
تمثال حافظ الأسد تحت نعال ثوار السويداء


يعتقد الطغاة أن تخليد اسمائهم في التاريخ يأتي بنشر خطاب كاذب تبجيلي تبثه وسائل الإعلام المستولى عليها من قبل أنظمتهم ليلا نهارا، وتسخير فنانين لنحت تماثيل لهم ينصبونها في كل ساحة عامة، إلى جانب ملصقات عملاقة لصورهم وهم يبتسمون وكأنهم ملائكة هبطت من السماء لإنقاذ دولهم وشعوبهم من أزماتهم، لكن في واقع الأمر في كل دول الطغيان لا ترى سوى البؤس والفقر والظلم والسجون ورجال المخابرات وكم الأفواه. ويعتقد هؤلاء الطغاة أنهم يخدعون شعوبهم والعالم من حولهم، والغريب في أمرهم أنهم لا يتعظون من نهايات طغاة من سبقهم يذكرهم التاريخ بكل ازدراء. فكتب التاريخ مليئة بقصص الطغاة الذين كان مآلهم إلى مزابله، ولا يذكر منهم سوى مثالبهم، وجرائمهم، ونهاياتهم المذلة. والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، فكيف يذكر التاريخ جوزيف ستالين روسيا، وبول بوت كمبوديا، وبينوشيه تشيلي، وسبينوزا نيكاراغوا، وباتيستا كوبا، وفيديلا الأرجنتين، وعيدي أمين أوغندا، وسواهم الكثير، وفي عالمنا العربي أثبت الربيع العربي أن عتاة الأنظمة وزعماءها الذين حكموا البلاد والعباد لعشرات السنين سقطوا كأوراق الخريف تحت ضربات شعوبهم الثائرة، حافظ الأسد ووريثه لا يشذان عن هذه القاعدة فصورهما وتماثيلهما ملأت ساحات المدن السورية وكأنهما يستحقان التخليد لما قدما لسوريا والسوريين من خدمات جلعت من سوريا سويسرا الشرق، والشعب السوري أسعد شعب في العالم، والحقيقة المرة تقول عكس ذلك، ولكن وسائل الإعلام التي سيطرا عليها تبجلهما وتضعهما في مصاف الأنبياء، بل والآلهة. لم يتعظ الولد بما أصاب الوالد في بدايات الثورة السورية حيث أول ما قام به المتظاهرون هو تدمير ثماثيله وتمزيق صوره، وإحراق مكاتب حزب البعث الحاكم. واليوم في ثورة السويداء حطم المتظاهرون تمثال الأب، ومزقوا صور الإبن ليثبت أنه كجميع الطغاة تلميذ غير نجيب للتاريخ. مع أن تخليد الأسماء لا يأتي بنصب التماثيل والصاق الصور العملاقة حتى على الخراب، ولا في المجازر والسجون، بل في إخراج البلاد من أزماتها وحمايتها وتقدمها ورفاهيتها كما فعل مصطفى كمال في تركيا، وشارل ديغول في فرنسا، وأبراهام لينكن في أمريكا، ولي كوان يو في سنغافورة، وماوتسي تونغ في الصين، ونلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، وسواهم، فهؤلاء لم يصنعوا تماثيل لهم، ولم ينشروا صورهم في كل مكان، ولا قتلوا شعوبهم، ولا دمروا بلادهم، ولا حطموا اقتصادهم واعتبروا أنفسهم أنبياء العصر، وأن لا بديل لهم، لينظر الطغاة إلى المقابر المليئة بمن سبقوهم الذين اعتقدوا أن التاريخ خلدهم. ولينظر بشار إلى صوره وصور أبيه وتماثيله التي سقطت أرضا تحت ضربات مطارق الثوار وتمزقت الصور والحذاء فوقها.