(عن القدس العربي)
صرح وزير دفاع دولة الاحتلال يوآف غالانت خلال جولة على الحدود الشمالية شملت مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، قائلا “أحذر حزب الله ونصر الله ألا يخطئ” وأكد أنه “إذا نشأ أي تصعيد أو صراع على الحدود فإن قواته ستعيد لبنان إلى العصر الحجري” وشدد على أن بلاده لن تتردد في استخدام كل قوتها، وضرب حزب الله وكل شبر من لبنان إذا اضطرت لذلك.
ورد عليه حسن نصر الله بأن حزب الله هو الذي سيعيد إسرائيل إلى “العصر الحجري” وكان نصر الله قد هدد إسرائيل “بقطع يدها” إذا امتدت إلى نفط لبنان وغازه البحري عندما نشب خلاف حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والحدود البرية إذ اتهم حزب الله إسرائيل باتخاذ “إجراءات خطيرة” في قرية الغجر الحدودية التي يطالب لبنان بالسيادة على جزء منها وتحيطها إسرائيل بالكامل بسياج.
وكان حزب الله دعا وسائل الإعلام في أيار/مايو الماضي لمشاهدة مقاتليه من وحدة النخبة المعروفة باسم (الرضوان) خلال محاكاة لغزو إسرائيل، وإسرائيل بدورها تستعد أيضا.
الحكومة الأمنية المصغرة
وقد عرض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في حزيران/يونيو فيديو يظهر اجتماع الحكومة الأمنية المصغرة في المقر العسكري في تل أبيب لمحاكاة حرب على حزب الله وإيران في رسالة موجهة إليهما.
وتعود آخر مواجهة مع حزب الله إلى عام 2006 التي حصدت أرواح 1200 شخص في لبنان معظمهم مدنيون و157 إسرائيليا معظمهم من الجنود.
وقد تصاعدت حدة التوتر بين الجانبين بما ينبئ باستعداد محتمل لصراع يشمل لبنان وربما امتد إلى سوريا خاصة لتواجد القواعد الإيرانية، وقواعد حزب الله فيها التي اتخذت من الشريط الحدودي في القلمون ووادي بردى مراكز قوة عسكرية تغذيها إيران بشكل مستمر بالعتاد والسلاح.
وتزداد حدة التوتر مع كل معلومة تؤكد تقدم إيران على طريق اقتناء السلاح النووي. ومخاوف إسرائيل من فقدانها التفوق العسكري في الشرق الأوسط، واختلال موازين القوى.
وقد أخذت الولايات المتحدة حذرها من اندلاع الاشتباكات فعززت قواتها بأسراب من طائرات إف 16 وإف 35 في المنطقة إضافة إلى بوارج بحرية في الخليج وعدة آلاف من قوات المارينز.
مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنجبي قال إن حزب الله أصبح “أكثر جرأة” ورأى أن إيران تحاول إقناع الجماعة “بالإقدام على المزيد والمزيد من المخاطر، وسننزلق إلى هذا الصراع على الرغم من أننا لا نريد أي صراع في لبنان” فإسرائيل رغم تظاهرها باستعدادها لمواجهة حزب الله وإيران، وتهدد لبنان بالعودة إلى “العصر الحجري” إلا أنها تتحاشى حاليا الدخول في مغامرة عسكرية واسعة النطاق تفتح عليها أبواب جهنم في العراق وسوريا ولبنان.
فالميليشيات العراقية التابعة لإيران، ستهدد أولا القوات الأمريكية المتواجدة هناك، (حيث تفاجأ العراقيون مؤخرا بعودة الجنود الأمريكيين إلى شوارع بغداد) وفي سوريا أيضا لثني حليفتها عن أي مغامرة غير محسوبة النتائج تفضي إلى حرب شاملة في وقت تعاني من أزمة داخلية كبيرة بسبب التعديلات القضائية التي أصرت عليها حكومة بنيامين نتنياهو رغم معارضة شديدة من الشارع الإسرائيلي.
الأزمة الاقتصادية
ولا يستطيع لبنان أيضا تحمل تداعيات نشوب صراع في ظل الأزمة الاقتصادية، والانهيار المالي الذي دخل عامه الرابع وأصاب الدولة بالشلل، وتسبب باستقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من منصبه واتهامه بالفساد وملاحقته من قبل عدة دول أوروبية.
والأزمة السياسية التي تستفحل مع عدم تمكن البرلمان اللبناني من انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس ميشيل عون المنتهية ولايته، وتهديد رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالاعتكاف، وفقدان رئيس البرلمان نبيه بري سيطرته عليه.
يضاف إلى انفجار مرفأ بيروت الذي لم ينته فصولا بعد إثر إقالة قاضي التحقيق طارق بيطار من منصبه بعد ثلاث سنوات من تسويف القضية.
من جانب آخر تنظر الولايات المتحدة وإسرائيل بعين الحذر أيضا من محاولة حزب الله إعادة الارتباط مع الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة حماس التي عادت إلى أحضان النظام السوري بعد تطبيع علاقاتها مع طهران مؤخرا، وتنوي فتح مكتب لها في دمشق.
وتأتي هذه التحركات على خلفية الاستفزازات الإسرائيلية باقتحام المتطرفين المسجد الأقصى والاشتباكات الدامية بين الفصائل الفلسطينية في الضفة وغزة أسفرت عن مقتل عشرات الفلسطينيين وطرد العائلات الفلسطينية من منازلهم في القدس، ومحاولتهم تقسيمه يدعمهم وزير المالية بتسلئيل سموتيريتش الذي شبهته إحدى الصحف الإسرائيلية بالنازية.
نظام فصل عنصري
وحذر الجنرال يائير غولان نائب رئيس الأركان الإسرائيلي من بعض المظاهر التي تحياها إسرائيل في الفترة الحالية التي تشبه ما عاشته ألمانيا النازية خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.
وحول نية اليمين المتطرف لضم الضفة الغربية حذر الجنرال الإسرائيلي عاموس غلعاد من أن الضم المخطط من قبل بعض الوزراء سيقود إسرائيل لكارثة، لأنه سينتج نظام فصل عنصري (أبارتهايد)، وسيؤدي للمزيد من الاحتكاكات والصدامات.
ونقل موقع “واينت” الإخباري عن الجنرال في الاحتياط غادي شمني، قائد “المنطقة الوسطى” في جيش الاحتلال سابقاً، قوله، إن ما يثقل على الجيش في أداء عمله وجودُ حكومة يمينية معادية له، المشكلة أن لدينا حكومة تحتوي على فئات تؤجّج النار علانية.
هذه التطورات السريعة جاءت في ظل تطور تكنولوجي سريع أيضا للذكاء الاصطناعي والذي يثير المخاوف على أكثر من صعيد، في أكثر من دولة، وخاصة في إسرائيل التي تجد نفسها متخلفة في هذا المضمار مقارنة مع الدول المتقدمة فيه، وهذا ما يثير المخاوف بتهديد وجودها. حسب معطيات “غلوبل إي.آي انديكس” فإن معظم الدول الرائدة في العالم تنشغل في تطوير ذكاء اصطناعي، ومعظمها له استراتيجية في هذا المجال.
التخطيط الاستراتيجي
ومعظم الميزانية في إسرائيل تستثمر في البنى التحتية للحواسيب، في حين أن التخطيط الاستراتيجي وتمويل تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بقي متخلفاً مقارنة مع الدول الأخرى.
في ظل كل هذه التهديدات الوجودية هل سيتجرأ أحد الطرفين إلى تحويل بلاد خصمه إلى العصر الحجري؟
مع أن العصر الحجري في وقته كان تقدما إنسانيا حضاريا باستخدام الحجر كأداة يستخدمها في أنشطته المختلفة. لكنها مقارنة مع عصر الذكاء الاصطناعي يعتبر متخلفا جدا، والعودة إليه هو العودة إلى المربع الأول من الحضارة. وباتت المسألة تتطلب ذكاء بشريا يدفع لبنان إلى حل أزماته الداخلية أولا، ولا ينجر وراء مخططات خارجية لا تفيد لبنان ولا اللبنانيين، ولا كل شعوب المنطقة التي تنزلق رويدا على عصور متخلفة جدا بفعل أنظمتها وبدون تدخل إسرائيلي، بسبب فقدان هذا الذكاء.
أما إسرائيل التي كانت تعتبر يوما العرب أعداءها ويريدون تدميرها، تبدو اليوم أنها تدمر نفسها بنفسها دون أن يضطر حزب الله ليعيدها إلى “العصر الحجري”.
كاتب سوري