النجومية في الإعلام والذكاء الاصطناعي

صورة تعبيرية عن الذكاء الاصطناعي
صورة تعبيرية عن الذكاء الاصطناعي

(عن القدس العربي)
تطالعنا وسائل الإعلام بشكل شبه يومي في الأشهر الأخيرة عن تطور الذكاء الاصطناعي، مع التحذير من مخاطره، وتزداد مصداقية التخوف منه عندما يتحدث عنها مخترعها وأبوها الروحي والذي كان كبير العاملين في المحرك العملاق «غوغل» جوفري هينتون، إذ صرح سابقا قبل استقالته من عمله في «غوغل» أن بعض مخاطر روبوتات الدردشة الذكية «مخيف جدا» فهؤلاء «ليسوا أكثر منا ذكاء حاليا لكني أعتقد أنهم سيصبحون كذلك قريبا». وتطور الذكاء الاصطناعي على يد أبحاث هينتون باستخدام الشبكات العصبية في فهم المعلومات ومعالجتها، (وهذه الشبكات العصبية تشبه الدماغ البشري) والتي تسمح لأنظمة الذكاء الاصطناعي من التعلم بالتجربة كالإنسان العادي، ويطلق على هذه العملية «بالتعلم العميق» وقال إن أنظمة تشات بوت والتي تعرف أيضا بروبوتات الدردشة الآلية بإمكانها التفوق على الدماغ البشري بكمية المعلومات التي يحملها، لكن مقدرتها على التفكير تبقى محدودة. فأنظمة جي بي تي 4 تتفوق على الإنسان في كمية المعلومات العامة، ويبقى التخوف من الذكاء الاصطناعي في استخدامه لأغراض شريرة، وهكذا يضع الإنسان نفسه الذي يتمتع بنظام بيولوجي أمام تحد لنظام رقمي يمكن التفوق عليه، أو بمفهوم آخر ينقلب السحر على الساحر. ولكن ما هي تطبيقاته في مجال الإعلام وما هي مخاطرها؟
اعتمدت صناعة السينما الهوليوودية منذ بدايتها على نظام النجومية (ستار سيستم) فصنعت نجوما وألبستهم صفات مختلفة (قوة، جمال، ذكاء، فكاهة..) لتتمكن من ربطهم اجتماعيا وعاطفيا مع محبيهم (المعجبين) في أعرض شريحة عالمية، لهذا كان شباب زمان يعرفون «غاري كوبر» مثلا أو «فرانك سيناترا» و«مارلون براندو» و«جيمس دين».. و«جينا لولو بريجيدا» و«مارلين مونرو»..وقد اعتمدت السينما الفرنسية والإيطالية والبريطانية هذا النظام وسطعت نجومها كـ«آلان ديلون» و«جان بول بلموندو» و«بريجيت باردو» و«كاترين دونوف» و«صوفيا لورين» و«مارشيلو ما ستروياني» و«أورنيلا موتي» و«هوجو توغونازي»،و«شين كونري».. ولم تتأخر السينما المصرية عن الركب التي أنجبت أيضا نجومها كـ «عمر الشريف» و«فريد شوقي» و«محمود الميليجي»،و«أنور وجدي» و«رشدي أباظة» و«سعاد حسني» و«هدى سلطان».. ونظام النجومية جذب أعدادا كبيرة من الجمهور ليرتاد دور السينما لمجرد اسم الممثل ـ النجم، أو الممثلة ـ النجمة. فشباك التذاكر هو الهدف.
لمعت أسماء كثيرة في الصحافة المكتوبة، وكانت صحف كثيرة تعتمد في توزيعها على كتاب معروفين يرفعون أعداد النسخ المباعة في أكشاك بيع الصحف، وكذلك الأمر بالنسبة للصحافة المسموعة. لكن النجومية على الشاشة الصغيرة تخطت كل الوسائل الأخرى، فالقنوات التلفزيونية التي تبحث عن تمويل عبر الإعلانات التجارية للشركات التي تضخ أموالا كبيرة لترويج بضائعها، تحاول جذب أكبر جمهور من المشاهدين، فالإعلان التجاري يتضاعف سعره طردا مع عدد المشاهدين، وقد بدأت هذه العملية في أمريكا في بداية الستينيات وخاصة مع تغطيات حرب فيتنام التي لمع فيها اسم جين فوندا، ومراسلين آخرين، وكذلك جوني كارسون، وجيمي كيمل، وكونان أوبريان، ثم جاء لاري كينغ، واوبرا ومفري، وكريستينا امانبور وسواهم، وفي بريطانيا كريس إيفانز، القائمة، وكلوديا وينكلمان.
الإعلام العربي من ناحيته لم يعتمد على نظام النجومية كون كل وسائل الإعلام كانت ملكا للدولة وتمول من خزينة الدولة، ولا تعتمد على الإعلان التجاري. وكل الصحافيين العاملين في القطاع الإعلامي هم موظفون رسميون.
مع إمكانيات الذكاء الاصطناعي يمكن للشركات الاستغناء عن عدد كبير من موظفيهم، وقدر بعض الباحثين أن هناك أكثر من 300 مليون موظف مهددين بفقدان وظائفهم خلال السنوات القليلة المقبلة
كان اختراع الحاسوب ثم الإنترنيت قفزة هائلة في عالم المعلومات ومعالجتها، وخاصة فيما يتعلق بالاتصالات، والرسائل، فلا أحد يقوم اليوم بإرسال رسالة إلى ذويه البعيدين عن طريق البريد، بل يمكن أن يكون الطرفان يمتلكان أجهزة حاسوب، أو هواتف ذكية مع تطبيقات واتس أب، وفايبر، وميسنجر، أو حساب إلكتروني حتى تتم العملية بثوان. فعملية التواصل بين الأفراد صارت أسهل بكثير أيضا عبر تطبيقات فيسبوك، وتويتر، انستغرام، وهذه القفزة النوعية تعتبر اليوم من الماضي، فالتقدم التكنولوجي لم يتوقف، وظهر الآن الذكاء الاصطناعي الذي يمكن الحاسوب أن يفكر ويتصرف، ويستجيب كما لو أنه يمتلك عقلا بشريا، إذ يمكننا اليوم أن نحمل الحاسوب معلومات وبيانات كثيرة ونطلب من الحاسوب معالجتها، وتزويدنا حسب الطلب بحل مشكلة أن يعطينا تنبؤات مستقبلية حسب قاعدة البيانات عبر استخدام عدد من الخوارزميات (مجموعة من التعليمات والخطوات البرمجية التي يجب اتباعها بالترتيب الصحيح لإكمال مهمة معينة). كل هذه الميزات الإيجابية تدفع الشركات الكبرى والمؤسسات على استخدام الذكاء الاصطناعي، وانتقلت الرغبة إلى القنوات التلفزيونية التي تبحث عن معلومات إضافية، أو تحليلات سياسية وإخبارية حسب معطيات محددة، تكون بمثابة دعم للخط التحريري للقناة، أو القيام بالعمليات التقنية التي كانت تتطلب الكثير من العاملين، حتى استخدام الروبوتات في تقديم نشرات إخبارية أو تقديم برامج تثقيفيه، أو سياحية.. وهنا تكمن عدة مخاطر على مستوى اجتماعي ونفسي. إذ مع إمكانيات الذكاء الاصطناعي يمكن للشركات الاستغناء عن عدد كبير من موظفيهم، وقدر بعض الباحثين أن هناك أكثر من 300 مليون موظف مهددين بفقدان وظائفهم خلال السنوات القليلة المقبلة، بالنسبة للقنوات التلفزيونية أيضا يمكن الاستغناء عن أعداد كبيرة من العاملين والصحافيين والمذيعين، فالذكاء الاصطناعي توصل إلى وضع روبوت على الشاشة يقدم نشرة الأخبار بأي لغة حسب الطلب. لكن هل هذه الإمكانية من مصلحة القنوات الراغبة في استخدامها؟
لا شك أنه ستظهر بعض القنوات التي ستستخدم هذه التقنية، وخاصة إذا كانت قليلة الإمكانيات، لكن نظام النجومية سيختفي نهائيا، والعلاقة العاطفية بين المشاهد والصحافي المفضل والمحبب له. وربما يعزف الكثير من المشاهدين عن مشاهدة القناة التي كانت مفضلة لديهم في حال استخدامها الروبوت الذي مهما كان ذكيا لن يكون باستطاعته أن يحل محل المذيع أو مقدم البرامج النجم، ولا يمكن أن يبني علاقة إعجاب ومحبة بينه وبين المشاهد. فهل يتصور أحدنا أن روبوت يمكن ان يحل محل منتهى الرمحي، أو خديجة بن قنة، أو جمال ريان، أو عمرو أديب، أو باسم يوسف..وسواهم من نجوم قنواتنا التلفزيونية.
كاتب سوري