في يوم اللاجئين في العالم
عن القدس العربي
تتفاقم أزمة اللاجئين السوريين وتزداد تعقيدا لأسباب مختلفة في ظل انخفاض نسبة المساعدات الأممية، والإنسانية، والدول المانحة من جهة، وسياسات دول الاستضافة من جهة أخرى، إضافة إلى وضع سوريا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني تحت حكم نظام الأسد.
فبعد 12 سنة من انطلاقة الثورة السورية لم يتضح إلى الآن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في حل الأزمة السورية، التي بحد ذاتها ازدادت تعقيدا وتشعبا أيضا بعد تطبيع علاقات دول عربية مع النظام السوري وعودته إلى الجامعة العربية، والذي اعتبر هذه العودة انتصارا له وأنه يمتلك أوراقا يمكن أن يبتز بها الدول الأخرى: الكبتاغون، إعادة الإعمار، اللاجئون.
مؤتمر المانحين
في مؤتمر المانحين لسوريا في نسخته السابعة الذي عقد في 15 حزيران/ يونيو (مؤتمر المانحين لسوريا تأسس في عام 2017 وفي العام الماضي، تم جمع أكثر 6.5 مليار يورو) أعطت الأمم المتحدة صورة قاتمة للوضع في سوريا بعد أن أصبح أكثر من 15 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية..
واشتكى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الإغاثة في حالات الطوارئ ومفوضية شؤون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي من النقص الصارخ في الأموال، ووجود معوقات في إمدادات المساعدات والتمويل. فخطة المساعدات الحالية لسوريا والبالغة 5.4 مليار دولار ممولة بنسبة 11 في المائة فقط.
أما الخطة المقترحة لمساعدة دول الجوار في المنطقة والدول المستقبلة للاجئين والتي تبلغ 5.35 مليار يورو فممولة بنسبة 10 في المائة فقط. رغم تأكيد الاتحاد الأوروبي على التزاماته بدفع مبلغ 1.5 مليار يورو، وتخصيص 560 مليون يورو إضافية للعام 2024.
وقد تضاءلت المساعدات في السنوات الأخيرة وخاصة بعد جائحة كوفيد، واندلاع الحرب الأوكرانية حيث سارع المانحون لدعم أكثر من 5 ملايين لاجئ أوكراني، والدول الفقيرة التي تضررت بجائحة كوفيد. وذكر فريق “منسقو استجابة سوريا”، أن برنامج الأغذية بدأ إجراءات تخفيض 2.5 مليون مستفيد في سوريا من أصل 5.5 مليون مستفيد من عمليات البرنامج، وهذه أكبر عملية تخفيض يقوم بها البرنامج على مستوى سوريا منذ سنوات.
مستويات جديدة من الفقر
وذكر الفريق أن التخفيض الأخير، لا يتناسب مع تقييم الاحتياجات الإنسانية في سوريا وسيدفع مئات الآلاف من المدنيين إلى مستويات جديدة من الفقر والجوع، عدا عن العجز الأساسي لعمليات الاستجابة الإنسانية والذي وصل إلى مستويات قياسية.
وقال فابريزيو كاربوني المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر إن السوريين الذين أنهكتهم الحرب يعيشون في ضيق شديد يحتاجون معه إلى تمويل “أكثر بكثير من الممكن اليوم”، وطلبت وكالات الأمم المتحدة من الدول المانحة المجتمعة في بروكسل دفع 11.1 مليار دولار على مدار العام المقبل للسوريين في الداخل والفارين منهم إلى البلدان المجاورة.
وهذا الوضع انعكس على الدول المستضيفة التي تقدمت بأكثر من احتجاج على انخفاض الدعم، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في المؤتمر إذ دعا إلى إنشاء صندوق لدعم العودة الطوعية للاجئين السوريين، عبر تأهيل البنية التحتية للعودة في سوريا، وأضاف أن” مستقبل اللاجئين السوريين هو في بلدهم، ما يستوجب الاستثمار في هذا المستقبل في سوريا، وبناء البنية التحتية التي تشجع اللاجئين السوريين على العودة الطوعية” (وهي دعوة مبطنة لإعادة الإعمار في سوريا) وحذّر “من تبعات تراجع دعم المجتمع الدولي للاجئين والدول المستضيفة لهم، وتقليص الخدمات التي تقدمها المنظمات الدولية للاجئين فيها، وشدّد على أن مسؤولية توفير العيش الكريم للاجئين هي مسؤولية دولية وليست مسؤولية الدول المستضيفة وحدها” وأشار إلى أن المساهمة الدولية في تمويل خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية، لتلبية احتياجات اللاجئين، تراجعت من حوالي 70% في عام 2016 إلى حوالي 33% العام الماضي، وتوقفت عند حوالي 6.8% عام 2023.
خطاب الكراهية
تصاعد الخطاب المناهض للاجئين السوريين في الجارتين لبنان وتركيا لأسباب اقتصادية وانتخابية، وقد
سلطت وكالة “أسوشيتد برس” الضوء على الأوضاع المعيشية السيئة التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان، سواء داخل مخيمات اللجوء أو خارجها، علاوة على الاعتداءات اليومية عليهم والمضايقات الأمنية والتهديد بالترحيل وفرض السلطات حظر تجول على اللاجئين وقيّدت قدرتهم على استئجار منازل.
وذكرت جماعات حقوقية أن الجيش اللبناني رحل مئات اللاجئين السوريين في الأشهر الأخيرة، وتبحث حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي خطة لإعادة حوالي مليون ونصف المليون لاجئ سوري إلى سوريا رغم كل الأخطار التي تتهددهم تحت نظام الأسد.
وفي تركيا، حيث تم الترحيب بالسوريين في البداية أصبحت إعادة ما يقرب من 3.7 مليون لاجئ موضوعًا رئيسيًا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الشهر الماضي، واتخذ منافسو اردوغان موقفًا أكثر تشددًا، وتعهدوا بترحيل اللاجئين بشكل جماعي.
ودافعت حكومة اردوغان على مدى سنوات عن سياسة الباب المفتوح، لكنها عملت في السنوات الأخيرة على بناء مشاريع سكنية في مناطق شمال غرب سوريا بهدف معلن هو تشجيع عودة اللاجئين..
مسؤولية النظام
وتقع مسؤولية مأساة السوريين على نظام الأسد الذي هجر نصف الشعب السوري بهمجية القتل والقمع المنظم، ورفضه لأي حل سياسي والمراوغة مع حليفيه روسيا وإيران على كل الجهود الدولية للتوصل لحل سياسي يضمن مستقبل سوريا والسوريين. وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في مؤتمر بروكسل: “لسوء الحظ، كان هناك تقدّم طفيف جدًا خلال العام المنصرم من أجل حلّ النزاع السوري”.
والواقع هو أن التطور نحو حل سلمي دائم قد وصل إلى طريق مسدود. وأضاف كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي أن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وسوريا وتجديد الاتصالات بين تركيا والنظام السوري ليسا طريق الاتحاد الأوروبي.
وهذا الموقف الأوروبي الذي يحاكي الموقف الأمريكي أيضا يتناقض مع الموقف العربي الذي احتضن النظام وأعاده للجامعة العربية، وتغاضى عن آلام وجراح الشعب السوري، وتقوم بعض الأنظمة العربية حاليا بالضغط على جهات أمريكية وأوروبية لرفع العقوبات عنه، وهذا لا يصب مطلقا في عودة آمنة للاجئين بل على عكس ذلك فإن النظام سيصنفهم ضمن المعارضين له، وهذا يعني أنهم سيتعرضون لكل سياسات القمع من قبل أجهزة مخابرات النظام وميليشياته وشبيحته .