أسئلة على هامش موجات التطبيع مع النظام السوري

وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ورئيس النظام السوري بشار الأسد
وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ورئيس النظام السوري بشار الأسد

(عن القدس العربي)

تتكثف الاتصالات والاجتماعات واستقبال شخصيات من النظام السوري، وعلى رأسها رأس النظام بشار الأسد في حركة لتطبيع العلاقات مع النظام وإخراجه من عزلته منذ اندلاع الثورة السورية، وقطع العلاقات معه بسبب جرائمه المريعة في حق الشعب السوري.

ممارسات النظام الوحشية

اليوم وبعد اثنتي عشرة سنة من ممارسات النظام الوحشية التي يصعب على المرء وصفها بحق شعب طالب بحريته وكرامته، من قبل نظام حول سوريا الحضارة والحضور المميز على أكثر من مستوى إلى دولة تقودها مؤسسة واحدة هي مؤسسة الجريمة والإتجار بالمخدرات، ولا قانون يضبط أي علاقة بين حاكم ومحكوم، سوى قانون النظام الذي سنه لنفسه القائم على كم فيه كل من فتحه ليقول كلمة حق، أو تظلم.

اليوم يبدو أن الأنظمة العربية ترى في استمرارية هذا النظام على حكم سوريا، تتوافق مع مقولة النظام منذ بداياته: “سوريا الأسد إلى الأبد”.

فهذا النظام الذي بدأ حكمه في العام 1970 ماذا قدم لسوريا وللسوريين خلال نصف قرن ونيف كي يكسب شرعية عربية تسمح له بالاستمرار في حكم سوريا وترويع، وتفكيك اللحمة الاجتماعية للشعب السوري؟

وماذا سيقدم نظام يرتكز في حكمه على نظام مخابراتي محكم يمتلك من وسائل الإجرام والتعذيب والترويع ما لا تملكه أعتى الدكتاتوريات على مدى التاريخ؟ هل إعادة تأهيله ستغير من طبيعته؟

وما هي الضمانات التي سيحصل عليها المطبعون من نظام كل ما يخطط له هو إحكام السيطرة أكثر على ما تبقى من الشعب السوري تحت رحمته؟

هل الثورة السورية انطلقت لمشاركة النظام الحكم، أم المطالبة بإصلاحات، أم إسقاط هذا النظام الذي فقد كل شرعية وقبول من الشعب السوري؟

أما كان المطلب الأول للسوريين هو الشعب يريد إسقاط النظام؟ في محادثات جنيف بين النظام والمعارضة التي استمرت لأربع جولات لم تسفر عن أي تقدم، وانتهت رسميا في آذار/ مارس 2017 بسبب تعنت النظام وتسويفه، المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسون أعلن في تموز/ يوليو 2022 أنه لم يعد من الممكن عقد الجولة التاسعة للهيئة المصغرة للجنة الدستورية أيضا بسبب تسويف النظام.

فهل ينتظر المطبعون من هذا النظام الذي أفشل كل إمكانية لإيجاد حل سياسي، وصياغة دستور جديد للبلاد، أن يغير من عقليته ونهجه؟

مؤتمر الحوار الوطني

في 30 كانون الثاني/يناير 2018 عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في مدينة سوتشي، (الذي اعتبر من بعض المراقبين الدوليين تقويضا لجهود السلام والالتفاف على قرار الأمم المتحدة 2254) وكان من بين نتائجه تأسيس لجنة لإعادة صياغة الدستور، ودعوة لإجراء انتخابات ديمقراطية، كانت هذه المطالبات حبرا على ورق ولم ينفذ منها شيئا. وكل القمم الثلاثية الدورية (كل ستة أشهر) التي ضمت روسيا وإيران وتركيا لم تسفر عن شيء يذكر.

فهل بمقدور الجامعة العربية إذا أعادت النظام السوري إلى حضنها بإمكانها أن تتقدم بحل يرضي تطلعات الشعب السوري؟ أم أنها فقط لإرضاء الدول العربية الراغبة في إخراجه من عزلته؟ ثم ماذا عن مقتل أكثر من نصف مليون سوري، عن ما ينوف من مئة ألف معتقل في سجون النظام، والمختفين قسريا، من يضمن أن يفرج النظام عن هؤلاء، ويفصح عن المختفين قسريا؟ وهل بإمكان أن يثني المطبعون رئيس نظام مصنع وتاجر مخدرات عن تهريب تجارته إلى دولهم؟ وهل من المعقول أن يجلس رؤساء دول إلى جانب رئيس يصدر مخدرات؟ وهل رئيس النظام السوري قادر اليوم على إخراج القوات الأجنبية وميليشياتها التي هو جلبها بنفسه إلى سوريا؟

هل في مقدوره اليوم أن يقف بوجه حليفه إيران المتغلغل في كل خلايا سوريا الحيوية، أو الروس الذي طلب منهم بناء المزيد من القواعد على الأرض السورية، أو الأمريكان وإفشال مخططات إنشاء كيان كردي منفصل؟ هل من الممكن التعايش مع نظام يدعم ويتحالف مع حزب الله، والميليشيات الطائفية، والحوثيين، والبوليساريو، ويدعم انفصال الدونباسك، وأبخازيا وأوسيتيا، ويقع تحت عقوبات أمريكية كمجرم حرب، وأوروبية، وأوكرانية.

هل هي حرب أهلية؟

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 تم عقد لقاء فيينا “لمجموعة الدول الداعمة لسوريا” بعد الغزو الروسي لسوريا مباشرة (30 أيلول/ سبتمبر 2015)، بمعنى آخر أن منافسة ما بدأت تأخذ ملامحها على الأرض السورية، أي أنها تحولت من مسألة داخلية إلى مسألة إقليمية (بعد الغزو الإيراني وتدخل دول عربية)، ثم تدويلها.

وعملت روسيا بكل مكر سياسي، وعمل عسكري على ترسيخ فكرة أن الثورة هي ثورة “إرهابيين” كما كان يطلق عليها النظام. بينما صنفت دوليا تحت مسمى (حرب أهلية)، وعليه يمكن التدخل سياسيا للمصالحة بين طرفين متصارعين وأن بشار الأسد، ورغم جرائمه الكيميائية التي وقعت في الغوطة 2013، وفيما بعد في عدة أماكن أخرى، لم يعد هو المشكلة بل هو جزء من الحل. فهل يعتقد المطبعون أن حوالي ثمانية ملايين لاجئ سوري، وأكثر من أربعة ملايين نازح، ومعظم من هم تحت سيطرته (حوالي 10ملايين وهناك 2 مليون تحت سيطرة قوات قسد الكردية)، يقبلون أن يستمر هذا النظام الذي هجرهم وقمعهم وقتل أبناءهم واغتصب نساءهم في حكمهم؟

هل قاموا باستفتاء بمراقبة دولية لتقرير المصير، كما فعلوا في عدة مناطق من العالم ليتأكدوا ما هي رغبة السوريين في بقاء أو زوال هذا النظام؟ فالثورة السورية ليست حربا أهلية بل هي حرب ضد المكون الأكبر للشعب السوري (المسلمون السنة)، فهل يرضى من يحمي المسلمين ويتكلم باسمهم أن يكون مسلمو سوريا عرضة للقتل والتهجير؟

محادثات جدة

في البيان الختامي لاجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق التشاوري في مدينة جدة أكد المجتمعون أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية.

وأكد على أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، وعلى أهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري.

وأكد البيان الختامي على أهمية حل الأزمة الإنسانية وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم.

وأكد الوزراء على أهمية مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، ومكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، فهل هناك الوسائل الكفيلة بذلك.

ولم نر في هذا البيان خريطة طريق للحل السياسي القائم على صياغة دستور جديد، ومشاركة المعارضة السورية السياسية في الحل، للوصول إلى إجراء انتخابات جديدة تحت رعاية دولية كما ينص قرار الأمم المتحدة 2254.

كاتب من سوريا