إيران والمخاوف من الهلال الشيعي

علم أيران وإسرائيل
علم أيران وإسرائيل

(عن القدس العربي)

في مقابلة مع قناة “بلومبيرغ” قال الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر الأسبق: “إذا كان أمامنا تحديات وإذا اتفقنا على أن إيران هي عدونا الأول فكيف سنتعامل مع هذا الأمر؟ هل عن طريق مفاوضات مباشرة أو حرب؟ لا أحد يريد الحرب لأنها ليست في مصلحتنا لأنني أعتقد أننا يجب أن نعيش في منطقة الخليج في انسجام بين إيران والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي”

هذه التصريحات تعكس بلا شك مخاوف دول الخليج من اندلاع نزاع بين المملكة العربية السعودية وإيران يصل إلى نقطة اللاعودة، ودخول كل دول الخليج في أتون حرب لا تحمد عقباها، خاصة وأن بعض دول الخليج قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وفي حال قيام إسرائيل بأي مغامرة بضرب إيران لمنعها من الحصول على سلاح نووي فإن هذه الدول بطبيعة الحال ستكون طرفا في هذه الحرب، بينما هناك دول عربية أخرى ستقف إلى جانب إيران كسوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، وبمعني آخر ستكون حربا عربية ـ عربية أيضا. فكيف وصلنا إلى هذه المعضلة؟

الملالي من الثورة إلى الهيمنة

بعد سقوط حكم شاه إيران في العام 1979 وبدء حكم الملالي تحت أمرة ولاية الفقيه، لم يكن هذا الحدث يخص إيران وحدها، بل إنه حدث سيتبين فيما بعد أنه أبعد من إيران بكثير.

كانت بداية التوجس من قبل دول الخليج التي شعرت أن خطر إيران بات أكبر مع حكم رجال الدين الشيعة الذين سيؤثرون بلا شك على شيعة المنطقة بأكملها، خاصة في البلدان التي تحتضن نسبة من الشيعة، كالعراق، والبحرين، والسعودية، ولبنان، واليمن.

كانت النتيجة الأولى لهذا الانقلاب السياسي الإيراني هي الحرب الطاحنة بين العراق وإيران خلال ثماني سنوات (1980ـ1988)، دول الخليج كانت تدعم العراق في هذه الحرب، وبشكل عام كانت معظم الدول العربية الأخرى تؤيد العراق، وحده نظام حافظ الأسد وقف إلى جانب إيران ضد العراق)، تكبدت العراق فيها خسائر بشرية ومادية باهظة جدا.

وكان من إفرازاتها محاولة غزو العراق للكويت (وهذا كان خطأ فادحا، كما يفعل بوتين حاليا في أوكرانيا)، وهذا الخطأ الفادح كان نقطة بداية سقوط النظام في العام 2003، ودخول العراق تحت هيمنة فارسية، وتقسيم سياسي طائفي.

نظام صدام حسين

الولايات المتحدة الأمريكية التي خاضت الحرب ضد نظام صدام حسين، قدمت العراق في الواقع على طبق من فضة لإيران الذي كان دائما وأبدا يخطط لهذا الهدف.

هذا التمدد الفارسي في أرض عربية لم يكن الأول من نوعه، إذ سنحت لإيران الفرصة بمد يدها إلى لبنان عن طريق التلميذ النجيب موسى الصدر الذي ولد في مدينة قم ودرس فيها، وفي طهران، والذي انتقل بعدها إلى لبنان ليؤسس المجلس الشيعي الأعلى، وحركة أمل قبل أن يختفي في ليبيا في العام 1978، ويحل محله رئيس مجلس النواب نبيه بري على رأس حركة أمل التي انشقت عنها مجموعة من الأعضاء منهم حسن نصر الله، وعباس الموسوي ( هذا الأخير تم اغتياله من قبل إسرائيل) لتأسيس حزب الله متبعا عقيدة ولاية الفقيه، وليصبح هذا الحزب بدعم كبير من إيران مسيطرا على لبنان فعليا كدولة داخل دولة، وازداد حزب الله قوة بعد اندلاع الثورة السورية وإرساله بأمر من المرشد الأعلى علي خامنئي جزءا من قواته لقتل السوريين المنتفضين ضد نظام الأسد والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية وخاصة الشريط الحدودي مع لبنان.

ميليشيات باكستانية وأفغانية

وكذلك الأمر بالنسبة لميليشيات أخرى باكستانية وأفغانية وعراقية بالإضافة للحرس الثوري الإيراني، وتم لإيران بذلك ربط طهران مع بيروت عبر بغداد ودمشق. أي أن ما كانت تخشاه بعض الدول العربية وخاصة الأردن ودول الخليج من اكتمال الهلال الشيعي قد وقع فعلا بعد العام 2011 عام اندلاع الثورة السورية.

وتصريحات المسؤولين الإيرانيين في أكثر من مناسبة أن إيران باتت تسيطر على عدة دول عربية خير دليل على ذلك. فخلال ثلاثة عقود تقريبا لم تعمل الأنظمة العربية المستهدفة للحؤول دون اكتمال الهلال الشيعي، في حين انتقلت إيران من موقع “شرطي الخليج” في عهد الشاه (الذي كان متحالفا مع إسرائيل)، إلى قوة إمبراطورية “فارسيةـ شيعية” تهدد دولا في المنطقة، وتؤكد هيمنتها على دول أخرى إذ استطاعت بناء ترسانة أسلحة متطورة صاروخية، وطائرات مسيرة، وخاصة العمل الدؤوب لامتلاك السلاح النووي الذي دون أدنى شك سيغير كل موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط التي ستدخل إما في سباق نووي للحصول على توازن في القوى، أو شن الحرب لمنعها من امتلاك هذا السلاح، وهذا ربما ما تخطط له واشنطن وتل أبيب التي تقوم دائما بقصف المواقع الإيرانية في سوريا، وكان آخرها قصف مطار حلب وإخراجه عن الخدمة للمرة الثانية، واستخفاف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بتصريحات أدلى بها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي قائلا:” إن أي هجوم إسرائيلي أو أمريكي على المنشآت النووية الإيرانية سيكون غير قانوني” بالقول:”رفائيل جروسي شخصية لها قيمة أدلت بتصريح بلا قيمة” وتساؤله:” غير قانوني بناء على أي قانون؟ هل يجوز لإيران التي تدعو صراحة إلى تدميرنا أن تعد أدوات الذبح لتدميرنا؟ هل نحن ممنوعون من الدفاع عن أنفسنا؟” تحمل الكثير من المعاني.

مجموعة من التحديات

زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لمنطقة الشرق الأوسط لطمأنة حلفاء أمريكا أنها لن تتخلى عن حلفائها، وحسب بيان البنتاغون فإن أوستن شارك العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مخاوفه بشأن مجموعة من التحديات المشتركة شملت “أهمية التوصل إلى حل سياسي عادل في سوريا والتركيز على الأمن والاستقرار في العراق، ومواجهة الأنشطة الأخرى المزعزعة للاستقرار في المنطقة” والمقصود فيها نشاطات إيران بالطبع، والزيارة المفاجئة لرئيس هيئة الأركان الأمريكي مارك ميلي للقاعدة الأمريكية في سوريا، ثم بحث ملف التعاون مع إسرائيل لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية ترمز أيضا إلى أبعد من تطمينات عابرة.