(عن القدس العربي()
في تاريخ سوريا أحداث جسام: دمار حلب واجتياح دمشق من قبل هولاكو قائد التتار الذي بعد سقوط بغداد في العام 1258 واصل طريقه إلى حلب ثم دمشق فعاث فيهما فسادا وقتلا وتنكيلا. ثم جاء بعده تيمور الأعرج قائد التتار في العام 1400 ليحرق دمشق ويسبي نساءها. يقول المقريزي: “حل بأهل دمشق من البلاء ما لا يوصف، وأجري عليهم أنواع العذاب من الضرب، والعصر، والإحراق بالنار، فكان الرجل إذا أشرف على الهلاك يخلى عنه حتى يستريح ثم تعاد عليه العقوبة أنواعا، ومع هذا تؤخذ نساؤه، وبناته، وأولاده الذكور، فيشاهد الرجل المعذب إمرأته، أو ابنته، وهي توطأ، وولده وهو يلاط به، فيصرخ هو من ألم العذاب”.
دمار حماة
في العام1982 دمرت حماة وقتل من أهلها ما لايقل عن 30 ألفا واغتصبت نساء، وقتل أطفال، ونكل بشيوخ في مثل هذه الأيام من شهر شباط/فبراير من قبل نظام حافظ الأسد، هذه الأيام التي تشهد اليوم مأساة كبرى تعم سوريا من جراء الزلزال المدمر بما فيها مدينة حماة أيضا.
منذ العام 2011 وبعد انطلاقة الثورة السورية حل بالسوريين ما لم يحل بهم خلال تاريخ سوريا المديد فقد دمرت العديد من القرى والمدن وباتت خرابا، وقتل وأصيب من السوريين ما ينوف عن المليون، عشرات الآلاف منهم قتلوا تحت التعذيب الشديد، واغتصبت نساء، وحتى رجال، وسرقت أعضاء بشرية، وأحرقت جثث، ونهبت أموال، وهجر نصف الشعب السوري خارج وداخل البلاد.
لا يمكن بالطبع مقارنة هولاكو وتيمور لنك (الأعرج) مع بشار وأبيه حافظ الأسد، فالأول مغولي والثاني تتري، أما بشار ابن أبيه فهما سوريا الجنسية وما فعلاه يفوق ما فعله هولاكو وتيمور لنك بما لا يقدر ولا يوصف.
كارثة الزلزال
اليوم شاء قدر السوريين أن تأتيهم بعد جرائم بشار وأبيه، كارثة الزلزال التي أودت وأصابت عدة آلاف منهم، وهدمت مبانيهم، وفقدوا ممتلكاتهم.
هذه المأساة الإنسانية التي جاءت على السوريين والأتراك، لم يجد السوريون من يسعفهم سوى السوريين أنفسهم الذين هبوا لنجدة إخوانهم وكانت صورة هذا التضامن الرائعة هي صورة الإنسان السوري الحقيقية الذي يقف إلى جانب أخيه الإنسان في محنته لأن المصاب واحد على الجميع. أكان في سوريا أم في تركيا حيث يقطن عدة ملايين من السوريين في جميع أنحاء المدن التركية وأصابهم ما أصاب التركي. والشدائد هي التي تكشف معادن الرجال.
لم يعان شعب في عصرنا الحديث ما عاناه ويعانيه السوريون. نصف قرن ونيف لم يعرفوا خلالها سوى الظلم، والقهر، والكبت، والتفقير، والتجويع، والإجرام، والقتل لكل من تجرأ على نقد النظام الجاثم فوق الصدور. وهو اليوم لم يتوان عن استغلال كل الوسائل، وتجاوز كل الخطوط الحمراء ليبقى متمسكا بالسلطة التي تسلطت عليها العائلة الأسدية. وحتى استغلال مأساة الشعب السوري.
جني الفوائد من المصائب
ما أن حل بالسوريين ما حل بهم جراء الزلزال وباتوا في نكبة حقيقية، تفتق ذهن النظام الأسدي عن استغلال المأساة ليجيرها لصالحه في محاولة لفك الحصار عنه وإلغاء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة لعدة أسباب بقانون “قيصر”(توثيق القتل تحت التعذيب لأحد عشر ألفا من المعتقلين في عشرات آلاف الصور، و”قانون كبتاغون” لصناعة وترويج المخدرات، وعقوبات أخرى منذ العام 2005 تتعلق بتهم إرهابية). فمن قتل مليون سوري، ودمر سوريا هل يأبه لموت عدة آلاف من السوريين، وتدمير أبنية لا تعادل 1 في المئة مما دمره؟
وزير الخارجية النظام السوري فيصل المقداد قال: “إن الحكومة مستعدة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق البلاد، شريطة ألا تصل إلى الإرهابيين” في إشارة إلى المعارضة السورية. وهؤلاء “الإرهابيون” هو من هجرهم من ديارهم وسلبهم أملاكهم.
المقداد طالب برفع العقوبات التي حسب قوله تزيد من صعوبة الكارثة. الهلال الأحمر السوري بدوره دعا إلى رفع العقوبات، وكذلك مستشارة بشار الأسد بثينة شعبان، وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي طالبوا بدورهم بها، وكذلك فنانون موالون، وكأنها جوقة معدة سلفا أعطى المايسترو الإشارة لتبدأ عزفها. ويزور هو أطلال الزلزال ضاحكا سعيدا وكأن الزلزال جاءه هبة من السماء لفك الحصار عنه، وهذا ما حصل جزئيا.
مواقف عربية ودولية
في الوقت الذي أظهرت دول عربية تعاطفها مع النظام السوري وأرسلت مساعداتها حصريا إليه، وسعت بعضها لتطبيع علاقاتها معه، ومنها من كانت قد قطعت علاقاتها معه منذ زمن، لم تظهر القوى الغربية ما يفيد باستعدادها التعامل مع الأسد مرة أخرى، ورفع العقوبات عن نظامه، معتبرا أن النظام السوري عامل بوحشية الشعب السوري منذ اندلاع الثورة، وتحمله مسؤولية الجمود للوصول إلى حل سياسي على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 2254.
في تصريح للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس قال:”من المثير جدا للسخرية، إن لم يكن سيجلب نتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعانيها الشعب” وأكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن بلاده ترفض التعامل مع النظام السوري في ملف المساعدات، بقوله: “نحن مصممون على تقديم هذه المساعدة من أجل مساعدة الشعب السوري على تجاوز هذه المحنة.. هذه الأموال ستذهب بالطبع إلى الشعب السوري وليس إلى النظام”، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن فاجأ الجميع وأعلن إعفاء أي معاملات متعلّقة بجهود إغاثة ضحايا الزّلزال في سوريا من العقوبات، وذلك لمدة 180 يوماً، وحتى تاريخ الثامن من أغسطس/آب المقبل، وهذا ما كان يبحث عنه الأسد ليستلم المعونات، ويفك عزلته، ويشجع الدول العربية للتطبيع معه، ودعمه في إعادة الإعمار، ودعم اقتصاده المنهار، والعملة المتدهورة، ويعزز حكمه، وكل هذا على حساب الشعب السوري.
كاتب سوري