(عن القدس العربي)
في الوقت الذي يسود الظلام في المدن السورية لعدم توفر الكهرباء، ومعاناة السواد الأعظم من الشعب السوري من تدني الأجور، وتآكل القوة الشرائية مع كل انخفاض لسعر الليرة مقابل الدولار، ومعاناة النازحين من شتاء آخر تحت الخيام، ترتفع حمى منافسة المصالح في سوريا.
الدول التي صار لها مصالح على الأرض تريد الحفاظ عليها أو تساوم فيها، وأخرى تسعى ليكون لها موطئ قدم فيها.
التخوف الإيراني
تخشى إيران من فقدان نفوذها في سوريا، خاصة بعد اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري في موسكو الذي لم تتم دعوة طهران إليه حيث لم تتأخر بإرسال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في زيارة دمشق، ثم أنقرة لوضع النقاط على الحروف والتذكير أن لا حل في سوريا، وهذا ما أكده عبد اللهيان لنظيره في دمشق لفيصل المقداد، ولرئيس النظام بشار الأسد من خلال تصريحاته الصحافية أن لإيران وحسب مسار “آستانة” للدول الضامنة (روسيا، تركيا، إيران) دورا في “أي حل سوري”، وهذا ما ينم عن تخوف كبير في دوائر القرار الإيرانية أن يتم صياغة جديدة لمستقبل سوريا باستبعاد إيران منها. وفي تركيا حيث التقى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، والرئيس رجب طيب أردوغان، أعرب عن ترحيب إيران لانفتاح أنقرة على النظام السوري، لكنه أضاف أن إيران غير مرتاحة لاستبعادها من المحادثات الجارية بين أنقرة والنظام السوري برعاية روسية، وتدعو لتعديل صيغة “أستانة” لتصبح رباعية كي تضم النظام السوري.
ورغم أن عبد اللهيان أبدى نوعا من الارتياح بمحادثاته في أنقرة ولكن هذا لا يخفي المنافسة الشديدة بين البلدين في سوريا، والنفوذ المتزايد لتركيا في جنوب القوقاز بعد حرب كاراباخ في 2020.
وتزداد مخاوف طهران من التقارب الخليجي مع النظام والذي تقوده دولة الإمارات العربية المتحدة التي فتحت سفارتها في دمشق، وكذلك مملكة البحرين.
أزمة اقتصادية خانقة
من جانب آخر تضغط إيران على النظام السوري اقتصاديا، بعد أن رفعت سعر صادرات النفط الإيراني لأكثر من الضعف (قفز السعر من 30 إلى 70 دولارا للبرميل)، وطلبت الدفع مسبقا لأي شحنات لاحقة في وقت يعاني فيه النظام من أزمة اقتصادية خانقة، وتدهور سعر الليرة، وأزمة وقود كبيرة أدت إلى تعطيل الكثير من المنشآت، وتوقف خدمات الكهرباء التي تعتمد على النفط، والمواصلات، وفيها بالطبع رسالة واضحة للنظام السوري أن عهد الدعم المفتوح مقابل توسيع النفوذ انتهت أيامه، وتحولت إلى المقايضة: الأرض مقابل الدعم، خاصة وأن إيران تعاني من أزمات مماثلة بسبب العقوبات الأمريكية.
وقال المتحدث باسم اتحاد مصدّري النفط والغاز والبتروكيميائيات في طهران، حميد حسيني: “نحن أنفسنا نعاني الآن؛ لذلك لا يوجد منطق في بيع النفط إلى سوريا بسعر منخفض”. وتأتي هذه الخطوات المفاجئة لتضاف إلى رغبة دفينة في التخلص من الوجود العسكري الإيراني لوضع حد لضربات دولة الاحتلال المكررة على المنشآت العسكرية الإيرانية والمطارات والموانئ السورية أيضا.
تركيا والمعضلة السورية
جاءت غزوة روسيا لأوكرانيا لتضيف تعقيد المعضلة السورية عقدة أخرى، فعلى ضوء هذه الحرب الطويلة أصبحت أولويات موسكو مع تركيا وإيران مختلفة، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحسب المثل الفرنسي “يريد أن يوقد نارا من أي حطب” فهو يستغل تركيا لاستخدام نفوذها داخل حلف “الناتو” واتضح ذلك برفض تركيا عضوية السويد وفنلندا لإرضاء موسكو بعدم توسعة الحلف إلى دول قريبة من روسيا، وإن كان السبب المعلن هو عدم تسليم أحد معارضي نظام أردوغان، مقابل دعم روسي في ملف وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، بالمقابل تنفذ تركيا مطلب بوتين بالانفتاح على نظام الأسد، الذي بدأ بمحادثات ثنائية ثم ثلاثية بلقاء وزراء دفاع الدول الثلاث في موسكو.
ورغم ما أبداه أردوغان من رغبته في لقاء بشار الأسد إلا أن هذا الأخير وضع شروطه بسحب القوات التركية من شمال شرق سوريا ما جعل تركيا تعود خطوة للوراء، وتتخذ وضع مكانك راوح بانتظار جلاء المشهد بوضوح.
قوات حماية الشعب الكردية
في تلك الأثناء وتحسباً لأي تفاهمات تركية مع نظام دمشق تجبر قوات حماية الشعب الكردية بالانسحاب بعمق 30 كم من الحدود التركية، أو عودة تركيا للتهديد بشن حملة عسكرية واسعة النطاق للسيطرة على منبج وتل رفعت وكوباني، قام وفد رفيع حسب موقع “باسنيوز” برئاسة بدران جيا كورد رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية في زيارة دمشق لاستئناف اللقاءات مع مسؤولي نظام الأسد لكن “نظام الأسد رفض استقبال وفد الإدارة حيث اقتصر استقباله على مدير مكتب أحد قيادات النظام في دمشق.
وقد طرح بدران جيا كورد خلال لقائه مدير المكتب الاعتراف بالإدارة الذاتية لكن هذا الشخص أبلغه برفض النظام ذلك.
وأشار أن روسيا طالبت الوفد الكردي أن تنضم الإدارة الذاتية للنظام وتسلمه ملفي النفط والغاز، مقابل بعض الامتيازات. وكانت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله قد نشرت خبرا تقول فيه إن وفدا من الإدارة الذاتية بقيادة رئيس هيئة العلاقات الخارجية بدران كرد أجرى محادثات مع النظام السوري وأن الطرفين تفاهما على “ثوابت أولية منها وحدة الأراضي السورية، والعلم الوطني، وشخص بشار الأسد، وأشارت إلى “إجماع بين الطرفين على ضرورة الحفاظ على مسار الحوار، مع البحث عن نقاط التقاء للمضي في خطوات متقدمة مستقبلاً”.
ويبدو إلى الآن أن النظام السوري يحاول أن يعطي الانطباع أن له كلمته أيضا، رغم أن الظاهر هو أن روسيا هي التي لها الكلمة العليا في الشأن السوري، وهي التي تضع السيناريوهات وتعمل على تنفيذها داخليا وخارجيا.
كاتب سوري