(عن القدس العربي)
تميز عام 2022 في سوريا بمجموعة من الأحداث كان لها انعكاسات كبيرة على الشعب السوري. فمع بداية العام بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا الذي وضع سوريا في صلب الحدث إذ عانت كما عانى العالم أجمع من فقدان بعض المواد الأساسية كالقمح والنفط والغاز، ودفع النظام الذي كان أول من أيد الغزو مجموعة كبيرة من الشباب الموالي ليكونوا مرتزقة مقابل دراهم معدودات لقتل الأوكرانيين، وليقتلوا بدورهم هناك، وزادت الحرب الأوكرانية في الطين بلة على السوريين بشكل عام ففقدان السلع الأساسية كالنفط شل المواصلات، وأغلق أبواب شركات كثيرة، وأفران الخبز وحتى المستشفيات بسبب انقطاع الكهرباء.
انزلاق سعر الليرة
وجاء انزلاق سعر الليرة إلى مستويات متدنية مقابل الدولار (وصل سعر الدولار إلى 6500 ليرة) على حساب المواطن العادي الذي تآكل دخله الشهري الذي بالأساس لا يتعدى 20 دولارا، الأمر الذي دفع إلى احتجاجات ومواجهات عنيفة في منطقة السويداء وحوران بين السكان وقوات النظام.
ومع الخطر اليومي الذي تواجهه بعض دول الخليج والأردن وحتى بعض دول العالم من تهريب المخدرات وخاصة الكبتاغون الذي يصنعه النظام أصدر الكونغرس الأمريكي قانون “كبتاغون” ليضاف إلى قانون “قيصر” وزيادة العقوبات، ورغم ذلك قامت بعض الدول العربية بالانفتاح على النظام السوري والتطبيع معه، وخاصة دولة الإمارات العربية التي قام بزيارتها بشار الأسد في آذار/مارس الماضي، وانتهى العام ببداية عملية تطبيع تركيا معه.
هذا في الوقت الذي لايزال مئات آلاف السوريين تحت الخيام يقاسون شظف العيش وتقلبات الطقس وابتزاز روسيا في نقل المساعدات الأممية إليهم.
لم يكن مفاجئا أن يتم لقاء موسكو بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري ورؤساء مخابراتهم في موسكو لوضع اللمسات الأولى لعملية تطبيع مع نظام بشار الأسد الذي كان يصمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “بالإرهابي” وبدا أن الضرورات التركية طغت على المواقف السابقة من النظام السوري خلال العقد الماضي، فالرئيس التركي الذي كان عازما على تنفيذ عملية عسكرية واسعة في شمال شرق سوريا لطرد وحدات حماية الشعب الكردي من مدن ثلاث (منبج، تل رفعت، عين العرب)، والتي ووجهت بمعارضة أمريكيةـ روسية ـ أوربية ثنت اردوغان عن المضي بها بعد إقناعه من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعملية التطبيع كبديل للعملية على أن يتولى النظام نفسه عملية إعادة سيطرته على المناطق التي تتواجد فيها وحدات حماية الشعب الكردي لتعود سيادتها له، مقابل انسحاب من المناطق التي سيطرت عليها تركيا التي تريد أيضا التخلص من اللاجئين السوريين عن طريق تنظيم عودة “آمنة” لهم إلى ديارهم، وحسب تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار فإن تركيا ستلعب دور الوسيط بين المعارضة والنظام لإيجاد حل سياسي يقوم على مبادئ القرار الأممي 2254.
مواقف المعارضة
لم يتأخر الموقف الشعبي في المناطق المحررة من التعبير عن رفضه لعملية التطبيع من خلال مظاهرات عمت المدن التي تقع تحت سيطرة المعارضة (محافظة إدلب وريف شمال حلب) ثم المجلس الإسلامي السوري الذي أصدر بيانا يدين فيه عملية التطبيع: ” لقد أخذنا على أنفسنا العهد ألا نكون شهود زور على مشاريع تصفية الثورة السورية، وإننا إذ نرى دعوات المصالحة والتطبيع مع النظام المجرم تترى على قدم وساق فإننا نؤكد أن الموتَ ونحنُ نتجرَّعُ السُّمَّ أهونُ ألف مرّة من أن نصالح عصابة الإجرام الّتي دمّرت سوريا وأبادت أهلها”
وتبعه موقف هيئة تحرير الشام في كلمة لزعيم الهيئة أبو محمد الجولاني تحت عنوان “لن نصالح” أكد فيها “لا تحزنوا ولا تيأسوا فإن خذلكم القريب والبعيد فإن للثورة أبناءها وقادتها وجندها يصلون الليل مع النهار لحماية الثورة وخدمة أهلها..” وأضاف: “أن الهيئة تعد نفسها لأيام عظيمة مقبلة، ودعا للانضمام إليها لمواجهة التحديات ومواصلة العهد حتى إسقاط النظام”، أما الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية التزم الصمت ولم يصدر عنه أي موقف حتى الآن، وكشفت مصادر تابعة له طلبه عقد اجتماع عاجل مع مسؤولي الحكومة التركية “لبحث مسألة التقارب مع النظام السوري” واتخذ الجيش السوري الحر الذي بات تحت الهيمنة التركية نفس الموقف الصامت المريب.
حروب مقبلة
يبدو أن دول لقاء موسكو الثلاث لديها هدف مشترك هو القضاء على وحدات الشعب الكردية أولا، لتحقيق مصالحها التي تختلف من دولة إلى أخرى، فتركيا التي تخشى على أمنها القومي من قوات سورية الديمقراطية الكردية على حدودها وتحالفها مع حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) الذي تصنفه تركيا في قائمة الإرهاب تبحث عن إنهاء هذا الوجود المهدد لأمنها، بينما يتطلع النظام السوري إلى استرداد الأراضي التي تسيطر عليها الوحدات الكردية بدعم من الولايات المتحدة والاستفادة من الآبار النفطية المتواجدة فيها، والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة بعد انسحاب القوات التركية منها، بينما تبحث روسيا عن مواجهة أمريكا بالوكالة وإضعاف وجودها في سوريا، كرد روسيا على دعم أمريكا لأوكرانيا في حربها ضد الغازي الروسي.
وحدات الشعب الكردية التي شعرت في الخطر الداهم نددت في بيان لمجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية في عملية التطبيع وناشدت السوريين بـ”مواجهة هذا التحالف وإسقاطه” وأضاف البيان “ننظر بعين الشك والريبة إلى الاجتماع بين وزيري دفاع الحكومة التركية والسورية برعاية روسية”.
أما الولايات المتحدة فقد سارعت إلى اتخاذ خطوات سياسية وعسكرية من أجل مواجهة أي احتمال لمعركة إذ زادت من انتشارها العسكري في المنطقة، وقامت أخيراً بتجهيز الأرضية لإعادة قاعدتها العسكرية في الرقة بعد ثلاث سنوات من إخلائها.
وفي الوقت نفسه أرسلت جيمس جيفري مبعوثها السابق إلى سوريا في زيارة إلى تركيا قبل أسابيع قليلة لثني أنقرة عن المضي في مسار تطبيع علاقاتها مع دمشق، لكن أنقرة خيبت آماله وعاد خاوي الوفاض.
مصائب قوم
يبدو أن مصائب السوريين لن تنتهي في العام 2023 حسب ما وعد المسؤولون الأتراك عبر تطمينات مخدرة بالتوسط لإنهاء الأزمة السورية على أساس القرار الأممي 2254 فالنظام الذي رفضه منذ البداية لا يوجد أي مسوغ للقبول به اليوم وهو يبحث عن استرداد الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة وهذا ما ينذر بمعارك طاحنة في هذه المناطق أيضا، فكل المؤشرات تشير إلى أن جولة جديدة من المعاناة ستبدأ قريبا بمواجهات مسلحة عنيفة تقودها روسيا وأمريكا بالوكالة يكون وقودها أولا وأخيرا الشعب السوري الذي تجاهل العالم بأكمله مأساته الكبرى، فكل دولة لها ضلع في المقتلة السورية لا ترى سوى مصالحها ففي السياسة لا توجد عداوات ولا صداقات دائمة وإنما مصالح دائمة.
كاتب سوري