لم تكن مفاجئة تصريحات المسؤولين الأتراك حول عملية التطبيع مع النظام السوري على أعقاب اجتماع وزراء دفاع ومسؤولي المخابرات في موسكو، فهذه العملية جاءت استكمالا لاجتماعات تمهيدية عديدة بين جهازي مخابرات النظام وتركيا، وكان الرئيس التركي رجب طيب أوردغان واضحا في توجه تركيا نحو التطبيع لضرورات الأمن القومي التركي. في انعطافة 180 درجة بعد أن كان يصم رئيس النظام السوري بالإرهابي، ويدعم المعارضة السياسية والمسلحة لإسقاطه. لكن الأمور أخذت مجرى آخر منذ بدء الثورة في العام 2011، والواقع أن العام المفصلي الذي جعل المسار التركي ينحرف هو عام التدخل الروسي في سوريا في العام 2015، حيث توجهت البوصلة التركية نحو موسكو حليفة النظام وحاميته، وكان الهم التركي ولا يزال هو التخلص من وحدات حماية الشعب الكردي التي بدعم من الولايات المتحدة استطاعت السيطرة على مساحة كبيرة من سوريا وعلى تقريبا نصف الحدود المتاخمة لتركيا مما يشكل خطرا أكيدا على أمنها بتحالفها مع حزب العمال الكردي (بي كي كي) المصنف إرهابيا من قبل أنقرة. وهذا ما دعا تركيا للتدخل عسكريا في سوريا والسيطرة على المناطق المحررة واستخدام المعارضة المسلحة في تنفيذ عمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الذراع العسكري للوحدات. لكن انعطافة اليوم تطرح أسئلة كبيرة تخص الشعب السوري الرافض لنظام بشار الأسد وقد عبر السوريون في منطقة إدلب عن رفضهم التطبيع وتسليم مناطقهم للنظام، فهل سيكون الشعب السوري كبش الفداء لعملية التطبيع؟ وحسب تصريحات المسؤولين الأتراك فإن الهدف هو إعادة الاستقرار إلى سوريا وعودة اللاجئين السوريين الذين بات وجودهم غير مرغوب فيه في تركيا حسب قرار الأمم المتحدة رقم 2254 ولكن هل سيطبق النظام السوري هذا القرار الذي عمل مع حليفه الروسي على تسويفه ورفضه منذ عقد من الزمن؟ وماذا عن موقف المعارضة السوري السياسية والعسكرية التي التزمت الصمت حتى الآن ( وحده المجلس الإسلامي أعلن رفضه للتطبيع)، وماذا عن الموقف الأمريكي الذي أصبح معنيا أكثر من أي وقت مضى بهذا التطبيع لأنه مستهدف به؟ وماذا عن الوجود الإيراني؟ فهل سيطلب منه مغادرة أراضي سوريا وإجلاء ميليشياته المنتشرة في كل مكان؟ بالاختصار فإن هذا الاتفاق يصب في مصلحة تركيا لاشك، ومصلحة النظام الذي يبحث عن فك عزلته، وروسيا التي تريد ان تجعل من سوريا ورقة تساوم بها في غزوها لأوكرانيا، لكن أين مصلحة الشعب السوري الذي دفع دماء مليون شخص ثمنا من أجل التخلص من نظام يجثم فوق صدره منذ زهاء نصف قرن ونيف، واستخدم كل أسلحته ضده، وحول سوريا لدولة الخراب والمخدرات؟ أسئلة لا بد من الإجابة عليها على الأرض التي ربما ستتحول إلى حرب دولية جديدة بالوكالة والخاسر الأكبر فيها هي سوريا وشعبها.