(عن القدس العربي)
سيذكر التاريخ أن يوم 16/11/1970 هو اليوم الأول في مشروع بناء دولة «سوريا الأسد»، الدولة الطائفية الفاشلة المارقة. فالمؤسس حافظ الأسد، وبعد خسارة الجولان ببلاغ منه، (بلاغ رقم 66) وتصفية الرفاق (صلاح جديد، محمد عمران)، استولى على السلطة بانقلاب تحت مسمى «الحركة التصحيحية»، وبناء دولة «سوريا الأسد». وكان واضحا منذ البداية أن دولة «الطائفة العلوية»، التي ينتمي إليها والتي تشكل أقل من 10 في المئة من الشعب السوري، كي تسيطر على مفاصل الدولة لابد وأن تكون على حساب الأكثرية السنية، والتحالف مع بعض الأقليات الأخرى، واستقطاب بعض الوجوه السنية كواجهة، وبناء دولة المخابرات (أنشأ الأسد 14 جهازا للمخابرات ارتكبت بحق الأكثرية السنية أبشع المجازر والقتل تحت التعذيب والاختفاء القسري والاغتيالات السياسية) كي تتم السيطرة عليها بالقمع والاستبداد. وظهر الصراع مباشرة في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي بين السلطة والإخوان المسلمين انتهت بمجزرة حماة في شباط/فبراير 1982. وكانت بمثابة تحذير خطير وجدي للأكثرية السنية بأنها تحت المراقبة، وسيف السلطة كسيف ديمقوقليطس على رقابها. لكن بناء هذه الدولة، الذي كان على أسس طائفية وعائلية وعلى الفساد والمحسوبيات ونهب الثروات، أوصل البلاد إلى حالة الإفلاس على جميع المستويات، ودولة مارقة على المستوى الدولي.
بداية انهيار الاقتصاد
بدأ انهيار الاقتصاد السوري منذ تولي البعث السلطة في آذار/مارس 1963. باعتماد النظام الاشتراكي وتأميم الشركات ما أدى إلى هجرة رؤوس الأموال السورية، لكن نظام الأسد زاد في الطين بلة عندما تحول النفط السوري (كانت سوريا تنتج 400 ألف برميل يوميا) إلى ملكية خاصة للعائلة الأسدية وتحويل الأموال إلى المصارف الأوروبية باسم أولاد الأسد، ولا يدخل إلى خزينة الدولة سوى جزء بسيط يقدر بتسعة آلاف برميل يوميا. وبدأت علامات الانهيار الاقتصادي منذ العام 1984 (سنة مرض حافظ الأسد والنزاع على السلطة مع أخيه رفعت التي انتهت برحيل الأخير مع كل موجودات المصرف المركزي السوري) عبر ازدياد نسبة البطالة، انخفاض مستوى المعيشة، ودخل الفرد الذي لم يعد يتجاوز 60 دولارا شهريا، وبروز القطط السمان المسيطرة على مفاتيح الاقتصاد السوري ومعظمهم من الطائفة العلوية وأقرباء الأسد وحواشيه وخاصة أبناء الأخوال من آل مخلوف وشاليش وسواهم. وتم طرح اسم باسل الأسد كشخصية صاعدة واعدة كوريث لـ «سوريا الأسد» لكن حسابات الأب اصطدمت بحسابات القدر بمقتل باسل في بداية عام 1994 في حادث سيارة وتحول بنظر النظام إلى «شهيد الدولة»، وسرعان ما طرح اسم شقيقه بشار كوريث ثان.
مع اعتلاء بشار العرش استبشر السوريون خيراً، لكن سرعان ما خاب ظنهم بعد قمع حركة ربيع دمشق في العام 2000ـ 2001. وكان الجمر يتقد تحت الرماد.
لم يكن ينقص الشعب السوري ليهب منتفضاً ضد أربعة عقود من حكم العائلة الأسدية سوى شرارة الثورة التونسية. في 17 آذار/مارس2011 دخلت سوريا في عمق النفق المظلم، فنظام الأسد لم يستسلم كنظام بن علي في تونس، أو ينسحب كنظام حسني مبارك في مصر، أو يهادن كنظام البرهان في السودان، بل اختار المواجهة العسكرية كنظام القذافي في ليبيا ونظام علي عبدالله صالح في اليمن، لكن حتى المواجهة العسكرية بجيش قوامه مئات الآلاف المجهز بأسلحة فتاكة ومنها السلاح الكيميائي التي استخدمها جميعا ضد الشعب السوري، وجيش من المخابرات و»الشبيحة» التي اعتقلت مئات الآلاف من السوريين، وقتلت عشرات الآلاف تحت التعذيب (الولايات المتحدة أصدرت قانون قيصر لمعاقبة النظام السوري على عمليات التعذيب والقتل) لم تفد النظام بشيء وكان سقوطه محتوما، ولم يعد أمامه سوى الاستنجاد بحلفاء الأمس (روسيا وإيران) وكل الميليشيات الطائفية من شيعة أفغانستان وباكستان وإيران والعراق ولبنان، بالإضافة إلى الميليشيا المرتزقة الروسية «فاغنر» الذين أوغلوا في دماء الشعب السوري وخاصة بالأكثرية السنية.
وبعد أحد عشر عاماً من الثورة تحولت سوريا إلى بلد محتل، مدمر، مجزأ، مفلس، مارق، مصدر للمخدرات، (أقر الكونغرس الأمريكي مشروع قرار يضع استراتيجية أمريكية لوقف إنتاج المخدرات والإتجار بها وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام بشار الأسد)، التي يعتمد عليها النظام في رفد الميزانية السورية التي انخفض مقدارها للعام 2023 إلى 16,550مليار ليرة سورية أي ما يعادل 2,8 مليار دولار بسعر الدولار الحقيقي في السوق والذي وصل إلى أكثر من 6 آلاف ليرة سورية للدولار الواحد.
وحسب وزير مالية النظام كنان ياغي فإن العجز المالي المقدر في هذه الميزانية قد ازداد بمعدل 19،65 في المئة، وتدنى دخل الفرد إلى حوالي 20 دولارا شهريا، وتحولت دمشق إلى «أسوأ مدن العالم للعيش» لعام 2022، وفقاً لتصنيف قائمة «إيكونوميست إنتليجينس» التابع لشركة «ذا إيكونوميست» البريطانية، (تناولت وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية بقرار زيادة رواتب الموظفين بمبلغ مئة ألف ليرة سورية أي ما يعادل سعر دجاجتين من الوزن الخفيف). أضف إلى ذلك معاناة المواطن السوري من قطع التيار الكهربائي لمدة 22 ساعة في اليوم، وعدم توفير الكميات الكافية من المحروقات التي بسببها توقفت الكثير من الخدمات الطبية، وأفران الخبز، والمواصلات.
مهاجمة نائب
وقد تجرأ النائب في برلمان النظام ناصر يوسف بكشف معاناة المواطنين السوريين وأكد أن حكومة النظام هي من تغلق المعابر وتحاصر الشعب وتتعمد تجويعه، وقام رئيس المجلس مازن الصباغ بمهاجمة النائب المحتج مدافعا عن نظام الأسد. وفي تقرير صدر مؤخرا يكشف عن ما يسمى بـ «المكتب السري» التابع لأجهزة مخابرات النظام الذي يقوم بإرهاب التجار والشركات والمحال التجارية لجمع الإتاوات تحت التهديد وجمع الأموال لرفد النظام الذي شارف على الإفلاس.
وقال الدبلوماسي السوري السابق صقر الملحم والمعارض للنظام عبر حسابه الشخصي في فيسبوك إن هناك مشروع قرار سيتم اتخاذه على مستوى الاتحاد الأوروبي يتعلق بـ «عدم الاعتراف بجوازات السفر السورية الصادرة عن السفارات والقنصليات السورية في كل أنحاء العالم، وذلك بعد أنْ تأكد الأوروبيون من الفساد والابتزاز الموجودين في هذه السفارات. المشروع يبحث في إيجاد بديل عن هذه الجوازات التي يبتز بها نظام الأسد السوريين. هكذا أوصل نظام «سوريا الأسد»، بعد نصف قرن ونيف من تأسيسه، سوريا إلى دولة فاشلة، ومفلسة، ومارقة، ومدمرة تحتاج لأكثر من مليار دولار، وعقود طويلة لإعادة بنائها من جديد.
كاتب سوري