الألف والعصا

أبجدية اللغة العربية
أبجدية اللغة العربية

أول درس بالعربية تعلمته كان عصا على يدي اليسرى عندما سألني المدرس عن حرف الألف، ووقفت حائرا أمامه، كانت الألف ممتدة أمامي كمئذنة وعلى رأسها همزة بدل الهلال، عندما صمت هوت العصا على كفي وقال: الألف واقفة كهذه العصا تذكرها. منذئذ لم أنس الألف، ولم أنس العصا. وصرت أشبه كل حرف بما يشبهه من الأشياء. فالباء، والتاء، الثاء ثلاثي أطباق الأبجدية، وكانت تحيرني أين أضع النقاط، أما الجيم والحاء والخاء الثلاثي المحني الظهر فكنت أشبهها بمناجل جدي الفلاح الذي لم يكن يفك الحرف، الدال والذال مقعدان، والراء والزاي موزتان، والعين والغين جدي عندما يلبس البرنص، والفاء والقاف صحن وحقة بعين مفتوحة، والكاف واللام خطاف صنارة، والميم مطرقة، والنون حقة لا عين لها، والسين مقلاة، والهاء عقدة حبل، وهكذا إلى الياء التي كانت بالنسبة لي البطة التي كانت تسبح في بركة قريبة. وعندما بلغت أشدي ورشدي، ونلت من العلم قليلا تعلمت أن الحرف هو الخلية الأولى في جسد الكتابة، والحرف زائد حرف يساوي كلمة، وكلمة زائد كلمة تساوي جملة، وجملة زائد جملة تساوي نصا، ومن النصوص ولدت الكتب التي رفعت من مستوى ثقافة الشعوب، وعلمت الانسان ما لم يعلم، وهذا الحرف اخترعه أجدادنا الذين وضعوا أبجدية رأس شمرا في سوريا ليهدي البشرية جمعاء، وتنتشر لغات شتى، ومنها العربية تلك اللغة العبقرية التي أعجزت كل من حاول إتقانها حتى سيبويه الذي حيرته حتى، قال قبل وفاته: أموت وفي قلبي شيء من حتى، وحتى هذه حيرت جهابذة اللغة العربية حتى أن أحدهم شتم آخر بقوله: يا أقبح من حتى في مواضع شتى، إلا المتنبي الذي قال: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم، وبت أنام وأصحو على سحرها، أبحث في معارجها، وأسبر أغوارها، وأنقب كعالم آثار عن مكنون كنوزها لدى امريء القيس، وعنترة، ورهين المحابس الثلاثة، والسياب، ودرويش، والقباني، وأنهل من الهمذاني والحريري، والأصمعي، حتى طفت بقاربي الصغير في بحور الفراهيدي، وقرأت القرآن، والكتب المقدسة، وأدباءنا الأفذاذ طه حسين، وجبران، وجبرة، ومحفوظ، والعجيلي، وعددا كبيرا من واوات العطف واحدة تتبع أخرى، وما زلت أعتبر أني اتخبط في لجج محيط المحيط نائي السواحل، عميق المياه، متلاطم الأمواج. هذه هي العربية، هذه هي أبجديتي المقدسة، هذه هي حروفي، هذه هي لغة حرف الضاد الذي لم ار له من كل حروف الأبجدية ذات يوم شبيها. شكرا للألف، ولعصا المدرس الأول.

(بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية)