ما الذي يجمع دولة مثل كوريا الشمالية (الشيوعية الستالينية)، مع إيران (جمهورية إسلامية) في سوريا (دولة بعثية علمانية طائفية) لا يوجد أي عامل مشترك على مستوى أنظمة الحكم (سوى أن كوريا وسوريا تشتركان في عامل التوريث السياسي في نظام جمهوري)، بينما النظام الإيراني يحكمه ولاية الفقيه ويعين الرئيس بانتخابات رئاسية لكن صلاحيات الرئيس محدودة أمام صلاحيات ولايات الفقيه «الفوقية» التي تخوله أن يقرر في كل أمور الدولة والمجتمع. إلا أن هذه الأنظمة لديها قاسم مشترك فيما بينها: هو الاستبداد.
عائلة كيم
نشأت عائلة كيم التي تحكم كوريا الشمالية منذ العام 1948 من مخلفات الحرب العالمية الثانية بعد أن تحررت من حكم الاستعمار الياباني في العام على يد الجيش الأحمر السوفييتي في العام 1945، المؤسس لهذه العائلة «المالكة» كيم إيل سونغ» (اسم إيل سونغ هو الاسم الأول الذي اتخذه لنفسه في العام 1935 ويعني كيم أصبح الشمس) حكم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية منذ تأسيسها في العام 1948 بعد نجاح حزب العمال الشيوعي الستاليني في الاستيلاء على الحكم ولغاية وفاته في العام 1994.
وبعد عامين فقط من توليه رئاسة كوريا الشمالية أشعل الحرب مع كوريا الجنوبية بدعم من الصين التي استمرت ثلاثة أعوام وانتهت بهدنة بين البلدين بعد أن تدخلت أمريكا في الحرب ومنعت بيونغ يانغ من اجتياح سيؤول، وكادت أن تشتعل الحرب النووية بين أمريكا والاتحاد السوفييتي الداعم لكوريا الشمالية أيضا في عهد الرئيس الأمريكي هاري ترومان، وجوزيف ستالين (كما يحدث حاليا في غزو روسيا لأوكرانيا والتهديد بالحرب النووية). أعلن كيم الانتصار الكبير وبدأ عملية بروباغندا بطرح أسمه كـ»شمس الأمة المعصوم».
في العام 1980 أعلن أن خليفته في حكم البلاد ابنه كيم جونع أيل (بمثابة ولي العهد)، وبدأ مشروع البناء النووي (الذي يقلق الدول المجاورة اليوم)، تابع نجله جونغ إيل لغاية وفاته في العام 2011 وكما فعل والده ورث ابنه كيم جونغ أون الذي يعمل اليوم كما صرح مؤخرا أن برنامجه هو جعل كوريا الشمالية أعظم قوة نووية. وترتبط كوريا الشمالية بعلاقات متينة مع نظام الأسد في سوريا.
إيران وولاية الفقيه
لم تشهد إيران خلال تاريخها الطويل حكما ديمقراطيا قط منذ الأكاسرة، إلى حكم الملالي، فالثورة الخمينية التي أيدها معظم الإيرانيين تشهد اليوم أكبر مظاهرات احتجاج بعد 43 سنة من الثورة التي انطلقت في العام 1979 بزعامة علي الخميني والتي منذ بدايتها بدأت عمليات القمع بإعدام كل الأشخاص الذين كانوا يشكلون خطرا على الثورة بمحاكمات شكلية، والاغتيالات السياسية (منها اغتيال رئيس الوزراء السابق شابور بختيار في باريس)، وسياسيا أرسى الخميني نظام حكم ولاية الفقيه (أي ولاية الفقيه الجامع لشرائط الفتوى والمرجعية ويحكم كخليفة المهدي المنتظر لإقامة حكم الله على الأرض).
ومنع الخميني استخدام كلمة ديمقراطية «لأنها مصطلح غربي»، وأغلق عشرات الصحف، وقمع أحزاب المعارضة العلمانية، وأنشأ القوات الشعبية (الباسيج)، والحرس الثوري (الباسدران) لقمع أي تحرك ضد الثورة، وأصدر قانون يجبر النساء الإيرانيات على ارتداء «التشادور» ( وما نشهده اليوم هو رفض النساء الإيرانيات لهذا القانون بعد مقتل مهسا أميني من قبل الشرطة الإخلاقية لإهمالها قليلا في لبس الحجاب وعمليات القمع من الباسيج والباسدران قتلت مئات المحتجين).
وتم اعتقال ابنة أخت ولاية الفقيه نفسه علي خامنئي لأنها فضحت النظام وطلبت من الغرب أن يخلص إيران من « النظام المجرم وقاتل الأطفال»، وأرغم نظام الملالي على إلغاء مؤسسة الإرشاد القمعية في أول انتصار لاحتجاجات النساء الإيرانيات، وهذه الاحتجاجات سبقها احتجاجات أخرى في العام 2009 بعد احتجاج مهدي الكروبي وحسين موسوي على نتائج الانتخابات وقتل فيها العشرات ووضع الكروبي والموسوي رسم الإقامة الجبرية.
من ناحية أخرى تقوم إيران بتصدير الثورة الإسلامية، ونشر التشيع، وإعادة أمجاد فارس بالسيطرة على البلدان المجاورة، وتبجح أكثر من مسؤول إيراني أن إيران تسيطر اليوم على خمس دول عربية. (والمقصور العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين).
وعلى نسق آل كيم عملت إيران على بناء المفاعلات النووية لصنع قنابل نووية تدخلها النادي النووي العالمي وتهدد فيها أي دولة تشكل عليها خطرا كإسرائيل وسواها. وتثير القلق في الجوار وخاصة في دول الخليج. ولا يستبعد أن تقع مواجهة مسلحة تدخل المنطقة بأكملها في حرب لا تبقي ولا تذر.
لم يع السوريون عندما أطلق نظام الاستبداد الأسدي شعار :»الأسد إلى الأبد» أن المقصود به ليس «حافظ الأسد للأبد» لأن كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول، وهذا ما حصل فمؤسس «الجملكية الأسدية» القمعية المتسلطة حمل على الآلة الحدباء في العام 2000 ولكن عهد الأسدية لم ينته، فالشعار كان يقصد أن «آل الأسد إلى الأبد» أو بمفهوم آخر تأسيس سلالة حاكمة في نظام جمهوري. لكن أماني مؤسس «الجملكية الأسدية» وحسابات حقله لم تطابق حساب بيدر الشعب المقموع، فقامت الثورة ضد آل الأسد بكل مفسديه وقتلته بدءا من المؤسس الذي تحركت عظامه في قبره عندما ردد الثائرون: «يلعن روحك يا حافظ»، إلى أخيه رفعت جزار حماة، وإلى وريثه بشار الذي قال له الثوار:»يلا ارحل يا بشار». لكن بشار لم يرحل لأنه استنجد بنظام مستبد آخر، أي نظام ولاية الفقيه، أولا وميليشياته الطائفية لإنقاذ نظامه المتهاوي تحت ضربات الجيش السوري الحر، والفصائل المناهضة، وعندما عجز النظامان المستبدان قمع الثورة السورية الكبرى ضد طغيان آل الأسد وفساد بطانته، استنجد بحليفه القديم وريث نظام الاستبداد السوفييتي، وأهداه بما كان يصبو إليه دائما بإرساء قواعده العسكرية في سوريا، ليمد بساط إمبراطوريته إلى خارج حدود روسيا (واليوم يقوم جاهدا باحتلال أوكرانيا)، لكن كل هذه المحاولات لم تجد نفعا فالاحتجاجات مستمرة وآخرها في مدينة السويداء التي طالب المتظاهرون فيها بإسقاط النظام لتردي أحوال المعيشة في جميع أنحاء سوريا. وواجهها النظام المستبد كعادته منذ تأسيس «الجملكية الأسدية» التي طرحها الأب المؤسس تحت غطاء «الحركة التصحيحية» في العام 1970 بالرصاص، والاعتقالات، وقتل تحت التعذيب والتغييب القسري.