(عن القدس العربي)
هل المنظمات الدولية تخدم الشعوب أم الأنظمة؟ سؤال يطرح بحدة اليوم بعد عدة خيبات أمل أصابت شعوبا بأكملها وخاصة الشعب السوري. بالأمس قامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو بانتخاب نظام الأسد نائباً لرئيس المؤتمر الدولي لرعاية الطفولة المبكرة والتربية للعام 2022 الذي أقيم في العاصمة الأوزباكستانية طشقند.
نائب لرئيس المؤتمر
هذا الانتخاب يضع المنظمة الدولية موضع شك كبير في مثل هكذا قرار.فكيف يمكن لهذه المنظمة الأممية التي على علم كامل بجرائم نظام الأسد ضد الشعب السوري أن يتم انتخابه نائباً لرئيس المؤتمر وهو الذي قتل مئات الأطفال بالأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا وآلاف الأطفال بالقنابل والصواريخ والقذائف التي سقطت على منازل المدنيين، ولا يزال إلى يومنا هذا مستمرا في القصف وقتل الأطفال؟ هذا الانتخاب يعتبر إهانة لكل أطفال سوريا الذين عانوا الويلات من قصف النظام لمدارسهم وتشريدهم في زوايا الأرض الأربع.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان وفي تقرير لها وثقت أن سجون الأسد لا تزال تحتفظ بـ 3684 طفلا قيد الاعتقال القسري، ومنهم من أصبح شابا بعد عشر سنوات من الاعتقال.
وهل نسي العالم الطفل حمزة الخطيب الذي قتل تحت التعذيب في بداية الثورة، أو الغريق إيلان الذي طفت جثته على سواحل تركيا كآلاف الأطفال الذين غرقوا في البحر المتوسط.
لقد استنكر السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي هذا الانتخاب ووصفوه بالمهزلة والاستهتار بحياة الأطفال السوريين من قبل المنظمة الدولية. خاصة وأن النظام لم يول أي اهتمام بالطفولة حتى في المناطق التي يسيطر عليها حيث يعاني الأطفال من سوء التغذية وانعدام أبسط وسائل العيش الكريم، وتدني مستوى التعليم، وانعدام الأمن الغذائي، والصحي.
فما هي المعايير التي يتم عبرها انتخاب الأنظمة من قبل منظمات دولية تحكمها أنظمة أساسية، وميثاق أخلاقي، وأدبيات حقوق الإنسان؟
اللجنة التنفيذية للإنتربول
في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، أثار قرار اللجنة التنفيذية في الأمانة العامة للإنتربول الدولي برفع الحظر عن النظام السوري بعدما علّقته في عام 2012، في سياق العقوبات الدولية ضد نظام بشار الأسد استهجان السوريين ودول أعضاء في المنظمة الدولية، ومخاوف نشطاء وحقوقيين، وتساؤلات كثيرة في الصحافة الدولية، لأن النظام السوري معروف بتعامله الدموي لمعارضيه من الشعب السوري، إذ اختفى بسبب اعتقالاته وملاحقته مئات آلاف المواطنين داخل البلاد خلال السنوات العشر من الثورة السورية. بل أن المنظمة الذي ينص ميثاقها على أنها هيئة محايدة سياسيا تكيل بمكيالين.
فقد أصدرت فرنسا مذكرة قبض ضد رئيس الأمن الوطني في النظام السوري اللواء علي مملوك في العام 2018. وكذلك لبنان أصدرت مذكرة قبض ضده في العام 2013 بتهمة تورطه في نقل متفجرات داخل البلاد للقيام بعمليات إرهابية.
لم يتم تنفيذ المذكرتين من قبل الأنتربول، بل إن هناك الكثير من الأسماء الأخرى لمسؤولين أمنيين، وضباط في صلب النظام السوري مطلوبون دوليا لم تتم ملاحقتهم.
مجلس حقوق الإنسان
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هو الجهة الأرفع المعنية بحقوق الإنسان على مستوى العالم، ومهمته هي تعزيز حقوق الإنسان في كل مكان، وإدانة الانتهاكات في أي دولة بدون محاباة. في شهر نيسان/إبريل الماضي وخلال الدورة الطارئة للجمعية العامة الحادية عشرة اعتمدت قرار تعليق عضوية الاتحاد الروسي في مجلس حقوق الإنسان بموافقة 93 دولة ومعارضة 24 وامتناع 58 عن التصويت بسبب غزوها لأوكرانيا وانتهاك حقوق الإنسان في عملياتها العسكرية على الأراضي الأوكرانية، لكن المجلس لم يعلق عضويتها عندما غزت سوريا وقامت بانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في الأراضي السورية ومنها مقتل مئات الأطفال، وتدمير بنى تحتية وخاصة المستشفيات والمدارس وحتى ضرب المخيمات ومقتل آلاف السوريين بعد أن جربت كل أسلحتها في سوريا (حسب تصريحات وزير الدفاع الروسي). ولم تعلق عضوية النظام السوري الذي وصلت انتهاكاته لحقوق الإنسان إلى قتل الأطفال بالأسلحة الكيميائية. رغم أن المجلس نفسه كان قد أصدر تحقيقا في الانتهاكات الجسيمة في سوريا منذ العام 2011 في شباط/ فبراير 2022.
دعت، المقررة الخاصة لدى الأمم المتحدة إلينا كوهان المعنية بإعداد تقرير خاص حول أثر التدابير أحادية الجانب على حقوق الإنسان في سوريا إلى رفع جميع العقوبات المفروضة على النظام السوري. وفي بيانها قالت: “أحث على الرفع الفوري لجميع العقوبات أحادية الجانب التي تضر بشدة بحقوق الإنسان وتمنع أي جهود للتعافي المبكر وإعادة البناء والإعمار”.
وأكد بيان الخبيرة أن العقوبات على سوريا “قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية” تقرير كوهان أثار حفيظة المعارضة السورية حيث اتهم “الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية” تقريرها ووصفه بأنه “غير محايد ويتجاهل الجرائم التي ارتكبتها الحكومة السورية”.
هذه المعطيات المختلفة للمنظمات الدولية تؤكد أن التعامل مع القضايا المختلفة المتعلقة بحقوق الإنسان وجرائم الحرب وضد الإنسانية هي انتقائية وتكيل بمكيالين وغير منصفة بحق شعب هجر نصفه من منازله، وقتل منه مليون شخص، منهم عشرات الآلاف تحت التعذيب، وجميع هذه الانتهاكات موثقة قانونيا وبالأدلة الدامغة كصور “قيصر”، وفيديوهات مجازر مصورة كمجزرة حي التضامن وسواها.
كاتب سوري