(نقلا عن القدس العربي)
بعد الأنباء عن نية الولايات المتحدة سحب قواتها المتمركزة في الخليج، وأنه تم بالفعل سحب بطاريات من منظومات “باتريوت” الصاروخية للدفاع الجوي من قاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية بهدف حماية القوات الأمريكية المتواجدة هناك.
حاملة الطائرات «إيزنهاور»
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن حاملة الطائرات “إيزنهاور” ومنظومات للرصد والاستطلاع تسحب من الشرق الأوسط وقدم نواب ديمقراطيون مشروع قانون يطالب بسحب جميع القوات الأمريكية من السعودية والإمارات.
هذا المشروع جاء ردا على إعلان منظمة أوبك قرارا بخفض إنتاج النفط الذي اعتبرته الإدارة الأمريكية أنه “عمل عدائي يهدف إلى إيذاء الولايات المتحدة وحلفائها، ومساعدة روسيا” ويفهم منه ” أنه يهدف لزيادة عائدات تصدير النفط الروسي وتقويض العقوبات الغربية” ودعا النواب ان يكون سحب القوات الأمريكية خلال 90 يوما من تاريخ سن القانون. (تعداد القوات الأمريكية حاليا حوالي 50 ألف جندي).
ومن هنا يطرح سؤال قديم ملح يتجدد مع كل أزمة تنتاب العالم العربي. هل العرب قادرون على حماية بلادهم؟
نوبيك ضد أوبيك
بالطبع لم تكن حماية الولايات المتحدة لدول الخليج مجانية كما ادعى الرئيس السابق دونالد ترامب وقالها بالفم الملآن إن حماية أمريكا يجب أن يدفع ثمنها محولا الولايات المتحدة إلى محل تجاري على مستوى دولة يبيع الحماية كـ”بدي غارد” لشخصيات تخشى على نفسها الاعتداء. لكن في واقع الأمر فإن هذه الحماية كانت دائما مدفوعة الثمن بطريقة أو بأخرى، فهي مقابل التزويد بالطاقة دون انقطاع، وبأسعار معقولة.
وقرار أوبك الأخير خل في هذا الاتفاق الضمني وأخرج الإدارة الأمريكية عن طورها خاصة وأن الرئيس جو بايدن قد زار المملكة وبحث قضايا الطاقة مع ولي العهد محمد بن سلمان وشعر بخيبة أمل كبيرة واعتبر هذا القرار عملا عدائيا ويسيء بمصالح أمريكا وحلفائها. لكن إذا رفعت أمريكا سعر الفائدة وارتفع سعر الدولار في العلالي وضرب عملات العالم أجمع، ورفع التضخم، وجثم فوق صدور محدودي الدخل الذين فقدوا نسبة كبيرة من القوة الشرائية لمكاسبهم فذاك مصلحة أمريكا التي لا يجب أن يجادلها أحد فيها، فمنذ مؤتمر بروتن وودز في العام 1945 رسخت أمريكا المنتصرة الدولار كعملة لاحتياطيات المصارف المركزية لدول العالم أجمع بدل الذهب.
والإدارة الأمريكية تحضر نفسها للرد على أوبيك
(NOPEC)، أو مشروع قانون “منع التكتلات الاحتكارية وتصدير النفط” ويرمز إليه اختصارا بـ ” نوبك” يقود هذا المشروع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الديمقراطي تشاك شومر الذي صرح:” نحن نبحث في جميع الأدوات التشريعية للتعامل على أفضل وجه مع هذا العمل المروع… بما في ذلك مشروع قانون نوبك ” وفي حال تمرير مشروع القانون في مجلسي الكونغرس ووقعه بايدن فسيكون بإمكان نوبك تغيير قانون مكافحة الاحتكار وإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي أعضاء أوبك وشركات النفط الوطنية في تلك الدول من الدعاوى القضائية.
الدب والذئب ووهن العرب
لم يمر على العرب حقبة فقدوا فيها أمنهم وجردوا من أدوات حماية بلادهم كهذه الحقبة القاتمة، فضعفهم فتح ثغرات كبيرة لتدخل دول كبيرة وصغيرة في شؤونهم، فالقواعد العسكرية الأجنبية أمريكية، روسية، تركية، فرنسية، إيرانية، منتشرة على الخريطة العربية وجميعها جاءت بطلب من الدول العربية نفسها، فالنفوذ الإيراني اليوم يمتد من العراق إلى لبنان مرورا في سوريا، وفي اليمن، وروسيا تتمركز في سوريا وليبيا، وأمريكا متواجدة في العراق والخليج وسوريا واليمن وليبيا، وتركيا تمدد نفوذها في السنوات الأخيرة في سوريا وليبيا وبعض دول الخليج. وتتعرض دول لضربات خارجية وهي غير قادرة على الرد كسوريا التي تتلقى الضربة تلو الضربة من إسرائيل دون أن تستطيع الرد أو الردع، ولبنان يتلقى التهديد من وزير دفاع دولة الاحتلال ويصرح: “إذا هاجم حزب الله إسرائيل سندمر لبنان”، وفي فلسطين يقتل يوميا فلسطينيون ويغتال قادة، وتنتهك المقدسات الإسلامية ولا أحد يحرك ساكنا، وفي ليبيا تتدخل روسيا بميليشيا فاغنر وترتكب مجازر دون عقاب. وهذا على سبيل المثال لا الحصر، فمن سيحمي البلاد العربية من أي هجمة عدوانية خارجية؟ وفي حال انسحاب القوات الأمريكية من سيملأ الفراغ؟ وما هي النتائج؟
إن دولا كثيرة لها مطامع في العالم العربي ستستغل هذا الفراغ وعلى رأسها الصين وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل. فماذا تنظر الأنظمة العربية لبناء قواها الذاتية لضمان أمن البلاد والعباد؟ والمشكلة الأساسية ليست في بناء جيوش جرارة تعتمد على أسلحة مستوردة تشترى سنويا بمليارات الدولارات، بل هي في تحقيق الاكتفاء الذاتي بصناعة وتطوير الأسلحة فكل الدول المحيطة بالعالم العربي طورت من قدراتها العسكرية وتصنيع الأسلحة من تركيا إلى إيران، وإسرائيل، وباكستان، وكذلك الهند والصين وكوريا الشمالية التي باتت قوى نووية وتحمي نفسها ولا أحد يجرؤ على الاعتداء عليها.
البلاد العربية اليوم مشرعة الأبواب على مصراعيها لكل غاز، فمن سيخرج إيران من العراق وسوريا ولبنان، ومن سيخرج إسرائيل من الأراضي المحتلة، ومن سيخرج روسيا من سوريا، ومن سيحمي ليبيا من تموضع قوى خارجية لاستغلال نفطها؟
أسئلة تحتاج للتفكير وخاصة لأجوبة. فمسؤولية كل نظام سياسي حماية بلاده وشعبه، العرب في حالة خطر ويجب الخروج من نفق الاعتماد على الغير، فالدب إذا دخل كرما أكل عنبه، والذئب إذا دخل حظيرة قتل خرافها.