(عن القدس العربي)
كانت السلطنة العثمانية تعتبر سوريا (الكبرى) درة التاج العثماني، وعلاقتها بدمشق كانت متينة جدا عبر ولاتها من آل العظم خاصة.
وكان السلطان عبد الحميد الثاني يعتبر سوريا جزءا لا يتجزأ من السلطنة، وقد عبر عن ذلك في رفضه القاطع التخلي عن فلسطين مقابل كل الإغراءات المالية التي قدمها له تيودور هرتزل لبناء كيان صهيوني في فلسطين.
خط الحديد الحجازي
وقد خص عبد الحميد سوريا بخط الحديد الحجازي الذي يربط دمشق بالمدينة المنورة لتسهيل حركة الحجاج. وربط سوريا بالحجاز. ومحطة الحجاز، والنصب التذكاري في ساحة المرجة، وتكية السلطان سليم معالم عثمانية تزين مدينة دمشق إلى اليوم. لكن هذا المشروع تم تدميره في الحرب العالمية الأولى لأنه لم يكن يتوافق مع المخططات الاستعمارية الجديدة ومعاهدة سايكس ـ بيكو.
ومع سقوط الإمبراطورية العثمانية وبناء دولة تركيا الحديثة عملت فرنسا التي سيطرت على سوريا ولبنان إبعاد تركيا عن تحالفها مع ألمانيا النازية بعد أن شعر الحلفاء بأن الحرب العالمية الثانية باتت وشيكة، والثمن دفعته فرنسا على حساب سوريا بإلحاق لواء اسكندرون في تركيا في العام 1939.
وظلت سورية تحيي ذكرى سلخ لواء اسكندرون السليب سنويا إلى أن تخلى عنه حافظ الأسد بعد أن دخلت العلاقات السورية التركية بالتوتر الشديد بسبب دعم نظام الأسد لحزب العمال الكردستاني وإيواء عبد الله أوجلان ومراكز تدريب للأكراد.
وفي العام 1998 كادت تركيا أن تجتاح سوريا قبل أن يتراجع النظام عن دعم “البي كا كا” وسلم أوجلان للأتراك، في 20 تشرين الأول/أكتوبر 1998 تم التوقيع على اتفاقية أضنة (السرية) التي تخلى بموجبها الأسد عن المطالبة بلواء اسكندرون، كما تخلى عن الجولان سابقا لإسرائيل، وتم الكشف عنها من قبل روسيا بعد اندلاع الثورة السورية كما فعلت في العام 1917 بالكشف عن اتفاقية سايكس ـ بيكو.
التحالف مع المعارضة السورية
بعد اندلاع الثورة السورية اتخذت أنقرة موقفا واضحا من النظام السوري الذي وصفته بالنظام القاتل لشعبه، ووقفت مع المعارضة السورية وفتحت أبوابها للاجئين السوريين ولكوادر المعارضة ومؤسساتها بدء من المجلس الوطني السوري، إلى الائتلاف الوطني السوري، والجيش السوري الحر، ونسجت علاقات متينة مع أكثر من فصيل مسلح بهدف استخدامها في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على ربع مساحة سوريا تقريبا وتقيم علاقات وطيدة مع حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية وتتصدى لمشروعه بإقامة دولة كردية أو أي كيان مستقل على الأراضي التركية.
في العام 2016 دخلت تركيا عسكرياً في سوريا منعاً لما تسميه “إنشاء ممر إرهابي” على حدودها الجنوبية، وانطلقت عملية “درع الفرات” فجر يوم 24 آب/أغسطس لاستعادة مدينة جرابلس السورية (الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات والمتاخمة للحدود التركية بريف حلب الشمالي) من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية أولا، ثم من “قوات سورية الديمقراطية ” وحليفها “حزب العمال الكردستاني”( واتهم أكثر من مصدر أن اتفاقا روسيا تركيا يضمن لتركيا القيام بعملية درع الفرات مقابل انسحاب المعارضة المسلحة من حلب واستعادة المدينة من قبل النظام وميليشياته) وقد وجد هذا الحزب متنفسا ومكانا آمنا على الأراضي السورية بعد الثورة لإقامة معسكرات تدريب كما كان سابقا. هذا الأمر اعتبرته تركيا تهديدا لأمنها القومي وطالبت بالسيطرة على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا (حوالي 400 كم) وبعمق 30 كم ليكون مساحة فاصلة بين “قسد” و”بي كا كا”.
في 20 كانون الثاني/يناير 2018 أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدء عملية غصن الزيتون لتحرير مدينة عفرين بمشاركة فعالة للجيش السوري الحر.
وقد تم تحرير المدينة وتوابعها وعودة سكانها إليها بعد أن هجروها. منذ فترة قام الرئيس أرودغان بإطلاق تصريحات ببدء هجوم جديد لتحرير منبج وتل رفعت، لكن هذا المشروع تمت مواجهته بالرفض من “الدولتين الضامنتين” إيران وروسيا، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا. لكن أردوغان مصر على البدء بهذه العملية وأعلن عن زيارة مفاجئة إلى سوتشي في الخامس من آب/أغسطس يبحث خلالها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسألة السورية وتحرير منبج وتل رفعت.
انعطافة تركية نحو النظام؟
في تصريحات لمسؤولين أتراك أكدوا أن لقاءات بين عناصر أمنية تركية وعناصر من النظام السوري قد عقدت بين الجانبين لضرورات أمنية. لكن وبعد قمة طهران التي جمعت رؤساء تركيا وإيران وروسيا بدا أن الجانب التركي ألقى بالون اختبار بتصريحات وزيرالخارجية مولود جاووش أوغلو قال فيها:
“إن بلاده على استعداد كامل لدعم النظام في مواجهة تنظيم قوات سوريا الديمقراطية الإرهابي حسب قوله، وتابع أن من الحق الطبيعي للنظام السوري أن يزيل “التنظيم الإرهابي” من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة (يقصد بها فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا) إرهابية” وأضاف أن الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج “الإرهابيين” من المنطقة.
وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، قال، في حزيران/ تموز الماضي، إنه لا يوجد أي اتصال سياسي بين الحكومة والنظام السوري حتى الآن.
وزارة الخارجية التركية عرضت استراتيجية تركيا الجديدة التي تهدف إلى تطبيق سياسة “صفر مشكلات” على الصعيد العالمي ومن هذا المنطلق طبعت علاقاتها مع إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات وأرمينيا. لكن النظام السوري لم يسمع نداء التقارب التركي لأن المسألة الكردية برمتها هي من منجزاته. وقد قام بإرسال قوات إضافية إلى المنطقة وأجرى تدريبات عسكرية مع قوات قسد تحت رعاية روسية لمواجهة عملية تركية محتملة. وبمعنى آخر أن الرفيق الروسي لم يعط الضوء الأخضر للنظام للرد إيجابيا على النداء التركي، لأنه يريد أن يبقي القرار في يده وربما هذا الذي جعل أردوغان أن يلتقي ببوتين قريبا في سوتشي. والغريب في الأمر أن زعماء المعارضة السورية المسلحة والسياسية لم تتخذ أي موقف حيال تصريحات وزيرالخارجية التركي بل التزموا الصمت وكأن على رؤوسهم الطير.
كاتب سوري