( عن القدس العربي )
منذ حوالي عقدين من الزمن سمعنا عن شيء يقال له “الهلال الشيعي” والمقصود منه هو التمدد الشيعي الصفوي في العراق (بعد سقوط نظام صدام حسين) وصولا إلى سوريا ولبنان. ففي العراق قالها صدام حسين لجلاديه وحبل المشنقة حول عنقه:” لقد كنت أحميكم من الفرس والأمريكان”
هدية على طبق من فضة
وكان صدام على حق فالأمريكان في مخططهم (تنصيب الأقليات الطائفية في حكم دول الشرق الأوسط) قدموا العراق هدية على طبق من فضة للفرس ليحققوا حلم فارس القديم بالسيطرة على بلاد الشام.
وفي سوريا ومنذ عهد رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد تم عقد تحالف مع إيران الملالي، ومناصبة العراق العداء بتحالفه مع أمريكا في غزوها لبلاد الرافدين.
وجاء الوريث ليستغيث بحماية ولاية الفقيه من الشعب السوري الثائر ضده، وهنا أيضا قدم سوريا على طبق من فضة لميليشيات الملالي الباكستانية والأفغانية والإيرانية والعراقية واللبنانية التي تحمل جميعها أسماء طائفية شيعية تناصب المسلمين السنة العداء منذ مقتل حفيد النبي (ص) الحسين بن علي.
وما فتئ هذا العداء يستفحل وتتعدد أسبابه السياسية والعقائدية فالسيطرة على بغداد ودمشق كان حلما يراود الصفويين منذ القرن الخامس عشر، وأشعلوا إوار حروب عديدة مع السلطنة العثمانية التي كانت تمنع تمددهم باتجاه الغرب ( العراق وسوريا الكبرى).
أما لبنان فقد قامت إيران ومنذ بدايات الثورة الخمينية بالاعتماد على شيعة لبنان الذي كان يتزعمهم “آل الأسعد” ثم موسى الصدر ووريثه من بعده نبيه بري، ثم حزب الله بزعامة حسن نصر الله.
وهكذا باتت الطريق سالكة ببناء محور طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت ووصول إيران إلى شواطئ المتوسط.
وهذا المحور يجدر تسميته بالقوس الشيعي (لأنه يقذف نبالا في كل الاتجاهات) في كل بقعة من الأرض يقطنها شيعة، فمد يده إلى اليمن عبر الشيعة الزيدية (الحوثيين)، وإلى شيعة البحرين.
وأصبح أكثر من مسؤول إيراني يتبجح أن طهران تسيطر على خمس عواصم عربية.
مخاوف أردنية
برؤية استراتيجية حذر العاهل الأردني منذ العام 2004 في حديث لصحيفة “واشنطن بوست” مما أسماه “الهلال الشيعي” لأن الملك عبد الله الراصد، وبحذر شديد على سلامة الأردن وحمايته، لكل تطورات المنطقة وخاصة بعد سقوط صدام حسين، ووصول شيعة العراق إلى السلطة وتعاونها مع إيران ودمشق وبيروت، في انقلاب واضح المعالم في اختلاف التركيبة السياسية والاقتصادية وحتى السكانية في المنطقة.
اليوم وبعد 16 عاما من تحذير العاهل الأردني تبين أنه كان على حق من تخوفه من النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة الذي ليس بالضرورة لصالح الأردن، ولا حتى لصالح دول المحور الإيراني. فعين إيران اليوم على الأردن، ولا تخفي عمان مخاوفها من التسلل الإيراني إلى عقر دار الهاشميين عن طريق السياحة الدينية لمقام جعفر بن أبي طالب الذي حاولت إيران أن تقايض الزيارات الدينية بالتزويد بالنفط بأسعار تفضيلية. وقد قام العاهل الأردني في 26 يونيو/حزيران الماضي بزيارة لعدة مقامات للصحابة، ومنها مقام جعفر بن أبي طالب، في محاولة لوضع مشروع للسياحة الدينية لكنه عدل عن الفكرة، خاصة وأن الفتور في العلاقات الأردنية الإيرانية قد تفاقم في الفترة الأخيرة. لاسيما وأن السفارة الإيرانية في عمان قامت بنشاطات استخباراتية لصالح النظام السوري بتتبع المعارضين السوريين في الأردن، وتحاول استمالة شخصيات أردنية إعلامية وسياسية باءت بالفشل، وكانت عمان قد سحبت سفيرها من طهران في العام 2016 احتجاجا على الاعتداء على السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية.
خلفيات الخلاف العميقة
وتعود خلفيات الخلاف العميقة إلى دعم الأردن للعراق في حربه ضد إيران في ثمانينيات القرن الماضي، ووقوفها إلى جانب الإمارات العربية المتحدة في مطالبتها بجزرها المحتلة في الخليج العربي من قبل إيران.
وضبطت عمان عدة محاولات لتهريب أسلحة لمنظمة حماس. وتستمر عمليات تهريب للأسلحة والمخدرات عبر الحدود الأردنية بكميات كبيرة نجحت السلطات الأردنية في إحباط معظمها، ومصدرها النظام السوري بالتعاون مع ميليشيات إيرانية.
وقد حذر الملك عبد الله الثاني ضمن فعاليات منتدى دافوس الاقتصادي في العام 2018 من “الهلال الإيراني” هذه المرة وهذا تأكيد لسياسة المملكة لملالي إيران بأن الأردن دولة سنية وتقف مع دول الخليج.
حلف ناتو عربي
يتحسس نظام ولاية الفقيه اليوم خطرا مداهما في المشروع الجديد لإنشاء حلف ناتو عربي دعا إليه العاهل الأردني مؤخرا، وهذا الحلف الذي تدعمه الولايات المتحدة وإسرائيل، شعرت طهران أنه موجه ضدها ودانته على لسان أكثر من مسؤول، وتسعى واشنطن بزيارة الرئيس جو بايدن إلى دمج إسرائيل بأي مشروع شرق أوسطي عسكريا كان أم اقتصاديا، تحسبا لأي مواجهة مع إيران في حال فشل الاتفاق النووي.
ولا تألو إسرائيل جهدا في ضرب الأهداف الإيرانية في سوريا وفي داخل إيران بوتيرة متسارعة، وتهدد بمواجهة إيران بمفردها في حال شعرت أن سلاحا نوويا يهددها، والحلف الجديد يدعم موقفها كون دول الحلف أيضا تشعر بالتهديد الإيراني وهي دول مطبعة مع إسرائيل.
السنوات الأخيرة شهدت تبدلا جذريا في موقف بعض الدول العربية من إسرائيل بعضها بسبب التخوف من إيران، وبعضها الآخر لمصالح خاصة سياسية واقتصادية. فالمنطقة على صفيح ساخن والوضع مرشح للتصعيد مع الغزو الروسي لأوكرانيا ودعمه لإيران ونظام الأسد.
كاتب سوري