ماهي شرعية حافظ الأسد وابنه في حكم سوريا؟ سؤال طرح ويطرح باستمرار وخاصة بعد انطلاق الثورة السورية.
في الواقع أن مؤسس “الجملكية” السورية حافظ الأسد الذي قام بانقلاب على ابن طائفته، ورفيق دربه، وشريكه في اللجنة العسكرية، أعطى هذا الانقلاب صفة “حركة تصحيحية” ولم يفصح فعليا عما صححه في الانقلاب ( حركة 23 شباط – فبراير) الذي سبقه سوى أنه سجن رفيق دربه صلاح جديد، ورئيس البلاد آنئذ نور الدين الأتاسي مؤبدا حتى الموت.
وأعطى لنفسه شرعية شعبية عبر استفتاء ملفق كانت نتيجته الحتمية بخمسة أرقام 99.999. سياسيا كل حاكم يبحث عن شرعية ما ليحصل على “الطاعة” أي طاعة المواطن، ففي الأنظمة الديمقراطية الرئيس المنتخب تخول له شرعيته التي استمدها من الشعب أن يطبق القوانين على المواطن الذي عليه أن يحترمها. أي إلزام المواطن بالطاعة حسب القانون. في حين أن الملك، والأمير، والشيخ.. الذين يمتلكون الشرعية تقليديا أبا عن جد فإن المواطن يقدم الطاعة تقليديا أيضا دون احتجاج. ولكن في الحالتين طاعة الحاكم تملي عليه أن يحمي البلاد ومواطنيه، ويساهم في رخائهم. فماذا فعل الأسد الأب في حماية البلاد ورفاه العباد؟
بدأ حافظ الأسد بداية سيطرته على الجيش السوري كوزير للدفاع بهزيمة كبرى في حرب حزيران -يونيو، والانسحاب من الجولان بقرار منه، والذي يبقى لغزا كبيرا يعيد البعض أسبابه إلى البلاغ رقم 66 بالانسحاب الطوعي، وعدم مواجهة إسرائيل التي ضمنت له البقاء في السلطة وتوريثها. فحماية سوريا من عدو خارجي لم تتحقق في عهده رغم أنه أطلق شعاره الخلبي الشهير ” الصمود والتصدي “. اقتصاديا ومنذ بداية حكمه بدأ الاقتصاد بالانهيار تدريجيا، فالليرة السورية في بداية التعامل بها في سوريا (بعد الاستقلال) في العام 1948 كانت تعادل 2,2 دولار، ومع بداية حكم نظام الأسد في العام 1970 كانت الليرة تساوي 3,65 دولار. وفي نهاية حكمه وموته في العام 2000 كان الدولار يساوي 56 ليرة، وكان هذا نتيجة حتمية للفساد الذي استشرى في البلاد، وهروب رؤوس الأموال، وتسليم مفاتيح الاقتصاد لحاشيته وأبناء الطائفة.
وفيما يتعلق بحماية المواطن التي هي من أولويات أي نظام سياسي فإن المواطن السوري (وخاصة الأكثرية السنية التي كانت مستهدفة مباشرة من قبل النظام الذي يعاديها طائفيا) ومنذ العام 1970 لم يعد يأمن على نفسه بعد ان باتت الدولة تدار بنظام مخابراتي لا مثيل له في العالم،(بناء السجون، إنشاء أجهزة مخابرات في كل مكان، استخدام وسائل التعذيب، إرتكاب المجازر العلنية لترهيب الناس) وصارت الطاعة التي تكتسب بالشرعية يرغم المواطن عليها بالإرهاب عبر الاعتقالات التعسفية، منع الأحزاب، وأي نشاط اجتماعي، والسيطرة على وسائل الإعلام، وارتكاب أفظع المجازر بحق المدنيين العزل كما حصل في مجزرة سجن تدمر، ومجزرة مدينة حماة، وعشرات المجازر الأخرى في أكثر من مدينة وبلدة. وهذا يعني أن النظام يعتمد على الإرهاب للحصول على طاعة المواطن لتثبيت أركان الحكم.
تسلم الوريث مقاليد الحكم
مع تسلم الوريث مقاليد الحكم استبشر السوريون خيرا ببشار، لكن السنوات العشر الأولى تكشفت على أن النظام لم يغير من نهجه بل تمادى أكثر في القمع والإرهاب.
والدليل على أن أول حركة من السوريين المطالبين بالانفتاح والتي أطلق عليها “ربيع دمشق” قمعت في المهد واعتقل الكثير من أعضائها.
واستفحل الفساد وتدني الخدمات وقمع الحريات. بعد انطلاقة الثورة السورية المجيدة المطالبة بالحرية وإسقاط النظام “الشعب يريد إسقاط النظام” قام النظام بارتكاب المجازر خلال عقد كامل والتي لا تعد ولا تحصى. لكن مجزرة حي التضامن وإن لم تكن الأكبر ولكنها كانت موثقة بتصوير فيديو، والطريقة التي تم فيها قتل الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم مروا في المكان الخطأ في الزمان الخطأ ليتم اعتقالهم واقتيادهم إلى حفرة الموت والحرق.
المجزرة الشنيعة
هذه المجزرة الشنيعة لم ولن تنتهي فصولا، وما ظهر في الشريط المصور الذي انتشر على نطاق واسع والذي كان وثيقة دامغة لا شك فيها عن إجرام هذا النظام وكيف ينظر للمواطن ويظهر كيف أن المواطن السوري يطلب منه الطاعة العمياء بالإرهاب الجسدي والفكري.
في تسجيل صوتي مسرب تم الكشف عنه مؤخرا نسمع فيه العقيد جمال الخطيب مسؤول الفرع الأمني 227 وعن مجزرة التضامن يقول للمجرم الذي كان يطلق الرصاص على الأبرياء أمجد يوسف:” سوريا ساحة حرب ما في داعي ناخدهم على السجن ونقتلهم، بنقتلهم بالساحة أوفر علينا، يعني بالساحة يموت بطلقة، بالسجن بيكلفنا مئات الدولارات أكل وشرب وبعدين بنقتله ليش؟”
هذه العقلية الطائفية الإجرامية تظهر أن هناك مخططا معدا مسبقا لقتل أكبر عدد من المواطنين السوريين وخاصة المسلمين السنة، ولمجرد اعتقالهم فهم في عداد المفقودين. وأن الواحد منهم لا يساوي ثمن رصاصة. فالمواطن في النظام الأسدي مجرد من كل الحقوق، وأهمها حق الحياة، وقتله يجب أن يكون بأرخص التكاليف ولا يوجد أرخص من رصاصة. وأن العقيد العديم الإنسانية جمال الخطيب لا يمكن أن يكون قد تصرف من نفسه لو لم يأخذ الضوء الأخضر من معلمه الأكبر بشار الأسد.
لم يكشف بعد عن كل تفاصيل هذه الحفرة الرهيبة، فما زال هناك وثائق تقشعر لها الأبدان يجب المطالبة للكشف عن الحقيقة. وهذه الوثيقة تضاف إلى كل الوثائق التي قدمها “قيصر”، والشهادات التي أدلى بها حفار القبور، وهذا الجزء البارز من جبل الجليد لنظام يعتبر المواطن الذي يجب أن يحميه، ويقدم له الرعاية، وسبل العيش الكريم، والمساواة، وضمان تمتعه بالحريات التي ينص عليها الدستور، أن قتله المحتوم أرخص ثمنا برصاصة من إرساله، إلى أحد المعتقلات، ومن ثم قتله.