لا يمكن لبناء دولة عصرية ديمقراطية (دولة مؤسسات) دون بناء المؤسسات ( أحزاب، جمعيات، نقابات، نوادي..)، فهي الركيزة الأساسية في بناء الدولة، ومثل هذه المؤسسات كانت متواجدة في سوريا قبل تسلط العائلة الأسدية على السلطة، وبقيت متواجدة ولكن بسيطرة النظام عليها وتوظيفها لخدمته وبالتالي أبطل مفعولها لتكون الأداة في بناء الصرح الديمقراطي التي تعمل المؤسسات من خلاله على ضبط السلطة التنفيذية وعدم ارتكاب تجاوزات ليست بصالح الدولة أو الشعب. ولو كان المؤسسات السورية تتمتع بصلاحياتها واستقلاليتها عن النظام لما حدث في سورية ما حدث، ولما استمرت العائلة الأسدية في التمسك بالسلطة على حساب سورية والشعب السوري. فالأحزاب التي تشكل ما يسمى بالجبهة الوطنية جميعها أحزاب مدجنة، والنقابات المهنية نقابات مدجنة يسيطر عليها حزب البعث "القائد" والجمعيات والنوادي تقام بموافقة السلطة إذا كانت تصب في مصلحته وإلا فلا. هذا الوضع جعل من سوريا دولة فاشلة، دون مراقبة ولا محاسبة، فاستشرى الفساد والمحسوبيات، وتجارة المخدرات، وانتشار الجرائم دون عقاب، وتحويل الدولة ككل إلى دولة مخابرات، ما جعل المواطن في رعب دائم من أي سلوك يفسره النظام بأنه ضده.
اليوم لابد من إعادة النظر في الحقبة الأسدية ككل بدراسة سياسية واجتماعية معمقة، وتتطلب المرحلة من السوريين الواعين لخطورة الوضع في سورية التي تحتلها عدة دول خارجية، وتتجه نحو التقسيم بأن عليهم مسؤولية تاريخية تجاه هذا الوطن الجريح. فلا بد من تنظيم أنفسهم في مؤسسات قوية متماسكة عصرية ديمقراطية وخاصة في دول المهجر فهذه المؤسسات تهيء لبناء دولة سورية المستقبل من ناحية، وتعمل كوسيلة ضغط على الدول المتواجدين فيها بقوة لدعم المعارضة وانهاء حكم النظام الذي أجرم بحق سوريا والسوريين. ويبدأ البناء بإنشاء أحزاب قوية ذات برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة وواقعية، وجمعيات مهنية قوية وسواها، بهذه الطريقة فقط يمكن أن نقنع المجتمع الدولي بأن المعارضة السورية قادرة على حكم سوريا عبر المؤسسات التي انشأتها، وغير ذلك من المستحيل أن تعود الدول التي تخلت عنا لمساعدتنا في بناء دولتنا الديمقراطية التي نطمح إليها حيث تعم المساواة بين السوريين وتضمن لهم حرياتهم، وحقوقهم، وتحمي أراضي سورية بعد تحريرها من غزاتها. وتعود إلى صلب المجتمع العربي والدولي.