لم ولن تنتهي مآسينا، نحن السوريين، إلا برحيل نظام الطاغية الذي تسبب لنا بها منذ نصف قرن ونيف. فعندما قمنا من تحت رداء الظلم والقهر القاسي لنطالب بالحرية لم نجد سوى الرصاص نتلقاه بصدورنا، والكيماوي نتنفسه برئتينا، والموت في المعتقلات، والمجازر في حفر كحفرة حي التضامن وحرق جثثنا وكأننا سقط المتاع ولا يصلح بنا سوى النار لسد أفواهنا المنادية بالتحرر من نظام العبودية، والطائفية، والإجرام. فهمنا على وجوهنا في تغريبة لن ينساها أحفادنا، وأحفاد أحفادنا ولا التاريخ. هجرنا أراضينا وبيوتنا بعد أن طبعنا على جدرانها قبلاتنا، وذرفنا دمعا سخيا بوداعها، وضربنا عصا الترحال شمالا وشرقا وغربا وجنوبا، بحرا، وأرضا. مات منا من مات في الوهاد، وغرق من غرق في المتوسط، وعشنا تحت خيام لا تقي حرا ولا قرا، وقرقرت أمعاؤنا جوعا، وارتعدت أوصالنا بردا، ووصل منا بلادا ضاقت بنا ذرعا، نحن الذين فتحنا بيوتنا لما جاء إلينا طالبا العيش والأمان. اليوم أصبحنا عملة انتخابية، وورقة ارتزاق، وقضية مساومة، وقضية عنصرية، رغم كل ما قمنا به في بلاد الغرب والغربة بجهود كبيرة لكسب قوتنا بذراعنا، وساهمنا في اقتصادات دول الاستضافة، وبرز أولادنا في علوم ومهن مختلفة. في تركيا قامت الدنيا ولم تقعد بسببنا هذا ينبذنا وذاك يرحلنا، ونسي الأتراك أنهم حكموا بلادنا أربعة قرون، وجنوا ثروات بلادنا، وشحطوا شبابنا إلى سفر برلك وما أدراك ما سفر برلك، ونسي ساسة لبنان الذين يحتجون بكرة وأصيلا لوجودنا أنهم كانوا بالأمس سوريين ونحن كنا ولازلنا نعتبر أن سوريا قطعة من لبنان، ونؤيد الشعب اللبناني في عزمه للتحرر من نظام الطائفية والتسلط كما هو في سوريا. وفي بلاد الغرب هناك من يضع بعضنا في طائرات العودة إلى نظام الاعتقال والقتل ويقول إن سوريا في أمان، ودول عربية أبت أن تستقبل سوريا واحدا تمد يد العون للنظام كي يقوى عوده ويستمر في قمعنا خوفا من رياح الحرية العاتية إذا هبت عليها. بل هناك من يدعم ويؤيد النظام بميليشياته، وأسلحته، وأمواله كي يبقيه واقفا ومستمرا في قمعه، وقتله، وتهجيره لنا. والعالم المتحضر، عالم حقوق الانسان والحيوان، ينظر إلينا من بعيد بمنظار مقرب متوجسا وكأننا نسخة متحورة من كوفيد الجديد. يا ناس، يا عالم، يا هوووو، كفاكم فنحن بشر سويا ونستحق الحرية.