لم يتأخر مرسوم العفو الرئاسي سوى بضع ساعات عن كشف فضيحة الجريمة "الهوبطلاسية" المروعة (بحثت في كل قواميس اللغات لم أجد كلمة واحدة تختصر مشهد مجزرة حي التضامن وتعطيها وصفها الذي تستحق فقمت بنحت كلمة الهوبطلاسية وهي كلمة مؤلفة من الحروف الأولى للكلمات: همجية، وحشية، بربرية، طائفية، لاإنسانية، أسدية، سادية، التي يؤلف مجموعها وصفا تقريبيا للمجزرة)، الجريمة "الهوبطلاسية" لم يكن يتوقعها نظام الإجرام الأسدي، وأمام الصور الدامغة التي لا يرقى إليها شك، لم يجد أمامه وسيلة أخرى ليغطي عليها، ويحرف أنظار العالم عنها سوى أن يقوم بإصدار مرسوم رئاسي بالعفو عن بعض المعتقلين، لكنه أراد " أن يكحلها فأعماها". فالصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تظهر آلاف المواطنين السوريين ينتظرون تحت جسر الرئيس في العاصمة دمشق تعكس حجم المأساة السورية مرة أخرى، فالعدد الهائل للناس المنتظرين أبناءهم ينم عن الأعداد التي لا حصر لها من المعتقلين المغيبين في غياهب سجون ومعتقلات نظام الإجرام. كانت الأمهات تحمل صور أبنائها، والزوجات صور أزواجهن، والشباب صور آبائهم الذين اعتقلوا من سنين طويلة، وكانوا أطفالا واليوم يبحثون عنهم وصاروا شبابا. أم تحمل صورة ابنها وتسأل معتقلا: " هذه صورة إبني هل شاهدته في مكان اعتقالك؟" وإزاء هذه الصور تحت جسر الرئيس، وساحة صيدنايا وشوارع عدرا (حيث سجن صيدنايا، وسجن عدرا سيئا السمعة)، تدين لوحدها هذا النظام، لهذا سارعت وزارة العدل لتطلب من المواطنين عدم التجمهر، وأن الافراج عن المعتقلين سيتم تباعا من أماكن معتقلاتهم. فهل يعقل أن دولة ما تفرج عن مساجين تأتي بهم بشاحنات وترميهم في أحد الشوارع ويركض الأهالي خلف هذه الشاحنات للتأكد من هوية المعتقلين المفرج عنهم؟. هل من المعقول أن دولة لا تعلن عن أسماء معتقلين مشمولين بعفو رئاسي؟ وهل هناك دولة تعتم على أماكن وجود مواطنيها في المعتقلات؟، والأنكى من هذا وذاك أن بعض من أفرج عنهم يهومون في شوارع دمشق فاقدي الذاكرة ولا يعرفون أين يتجهون. وقسم آخر كانوا في الأساس قد أنهوا حكمهم من فترة طويلة، وآخرون كان قد شملهم اتفاق المصالحات الذي رعتهم روسيا وأفرج عنهم سابقا ثم أعيد اعتقالهم. ومن المضحكات المبكيات أن الناس كانوا تحت جسر الرئيس ينتظرون منذ ساعات طويلة.. ينتظرون الفرج لتكون فرحة العيد فرحتين، ورئيس النظام الذي أمر شبيحته بارتكاب المجازر، ومخابراته باعتقال المواطنين على الهوية، يحضر صلاة العيد والإمام يتوجه إليه في خطبته بقوله:" إن النبي يقول: إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق، وهذه من شيمكم يا سيادة الرئيس".