ربما اعتقد قتلى حفرة حي التضامن في لحظة احتضارهم الأخيرة أن الرصاصة التي اخترقت أجسادهم هي من قناصة كما نبههم منها أمجد يوسف الذي اقتادهم إلى الحفرة ليجهز عليهم، قتلوا ولم يعرفوا من هو قاتلهم. سنوات عشر مرت والحفرة متكتمة على ضحاياها. عشر سنوات وذوو الضحايا يهرعون يسارا ويمينا بين الأفرع الأمنية للسؤال عن أحبائهم، هناك من دفع مالا، وهناك من تم ابتزازهن جنسيا، فقط ليعرفوا مصير أبنائهم أو أزواجهن، ولم يخطر على بالهم أنهم باتوا في حفرة على مقربة منهم بعد أن أحرقت جثثهم. بعد سنوات عشر مشاهدة الصور المريعة كانت الرصاصة الثانية الموجهة لهم بعد أن تيقنوا أن من كانوا يبحثون عنهم قتلوا. هذه المجزرة المروعة التي لم تكن الأولى في قائمة المجازر الطويلة لنظام الإجرام الأسدي بحق الشعب السوري، فقبلها ارتكب العشرات، وبعدها ارتكب العشرات، لكنها تبقى الوثيقة الدامغة التي لا تقبل الشك، ولا المواربة، ولا التكذيب، بارتكاب هذا النظام لجريمة لم تشهدها البشرية من قبل، جريمة تحتاج لاختراع كلمات جديدة في قواميس اللغات لإعطائها الوصف الذي تستحقه. إزاء هذه الوثيقة الدامعة للجريمة صمت النظام على جريمته رغم افتضاحها لأنه أمام هولها، وحقيقة وقوعها فقد أدواته المعتادة في تفنيد وتكذيب كل اتهام بجرائمه. وصمتت أنظمة العرب كاملة وكأن على رؤوسها الطير، فماذا عسى هذه الأنظمة تقول وهي تسعى جاهدة لتعويم نظام الإجرام وعودته إلى الجامعة العربية التي التزمت الصمت أيضا. وأمام حجم الجريمة وحقيقتها الفاقعة لم يصدر عن المعارضة السورية "السياسية" التي يمثلها الائتلاف سوى بيان باهت للإدانة والشجب، بدل أن يقيم الدنيا ولا يقعدها، ويتقدم بشكوى قانونية ضد النظام في كل محفل دولي، بدل أن يجهد نفسه وطاقاته في خلافات بينية، وبيانات لمنشقين شكلوا ائتلافا منشقا تحت اسم "الائتلاف الوطني السوري، تيارالإصلاح" بحركة باتت تحاكي الفصائل الفلسطينية التي بعد انشقاقاتها تتخذ أسماء جديدة. كان الشعب السوري المصدوم من هول الجريمة ينتظر من الائتلاف موقفا حازما وتحركا عربيا ودوليا، لكنه خاب ظنه خاصة وان المبعوث الأممي أعلن عن موعد انعقاد الجولة الثامنة من المفاوضات للجنة الدستور.. فهل مازال الائتلاف يعتقد أن نظاما يرتكب مجزرة بحق شعبه كمجزرة حي التضامن يمكن أن يفاوض على دستور من شأنه أن يقوض من صلاحياته بعد أن قام بمئات المجازر المشابهة وفي أقبية سجونه مازال هناك اكثر من مئة ألف معتقل، ولا تزال قواته تقصف مدن وقرى السوريين فقط للحفاظ على سلطته، والحؤول دون المساس بوجوده واستمراريته بعد نصف قرن ونيف من استيلائه على الحكم في سوريا.