كان العرب يطلقون على المحيط الأطلسي بحر الظلمات، لأن هذا المحيط لم يمخره بحار وعاد إلى اليابسة، ولم يكن يدري أحد أن خلف هذه الظلمات هناك قارة كبيرة في الجانب الآخر من هذه الكرة التي كانت تخفي وجهها الخلفي، وأنها ستكون "الإلدورادو" لمعظم شعوب القارات العجوز، وهذه القارة ستكون سيدة العالم لقرون، وهذا "الإلدورادو" كان وجهة الكثير من السوريين الذين شهدوا المجاعات في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، ومخروا بحر الظلمات منهم من وصل ومنهم من ابتلعه ماء المحيط. اليوم تحول البحر الأبيض المتوسط إلى بحر ظلمات القرن الواحد والعشرين الذي يبتلع آلاف المهاجرين الجائعين من عرب وأفارقة بعد أن تحولت بلاد العرب التي تعتبر من أغنى دول العالم في ثرواتها المختلفة إلى بلاد المجاعات، والدم، والدموع. لا يمر يوم إلا وتطالعنا الأخبار بغرق الزوارق الهالكة التي تقل العشرات من المهاجرين الذين يبحثون عن "إلدورادو"في الضفة الأخرى رغم كل المخاطر التي تهدد حياتهم وحياة أطفالهم. فهم يصممون على مواجهة المخاطر ويعرفون أنهم ربما يموتون غرقا وتأكلهم حيتان البحر هم وضناهم، لأنهم يهربون أصلا من موت آخر في أوطانهم: موت الجوع، موت البرد، موت القتل، موت المرض.. هذا ما أوصل زعماء العرب الأشاوس شعوبهم، فسوريا التي كانت بلاد الخير، السماء فيها تمطر فضة، والأرض تثمر ذهبا، ولا ينام طفل بمعدة تطلق أجراس الجوع، ويحلم برغيف خبز. سوريا التي كانت سلة غذاء ليس للسوريين فحسب بل لكل من حولها. وكانت موئلا لكل طريد واستقبلت الفلسطيني واللبناني والعراقي والأرمني والشركسي والتركي وجميعهم عاشوا فيها في منازل معززين مكرمين. اليوم ينتشر السوريون في رياح الأرض الأربعة جائعين تحت خيام لا تقيهم حرا ولا قرا تهددهم الدول المضيفة بعيشهم وتهدد بطردهم، وتتسول الدول الأوربية بحجة إيوائهم. نظام الطائفية والإجرام الأسدي حول الشعب السوري إلى شعب لاجئين جائعين يقذفون بأنفسهم في بحر الظلمات تطلعا إلى العيش بحياة كريمة في أوربا رغم الموت غرقا الذي ربما ينتظرهم في رحلة المخاطر. يقول نزار قباني: إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب، في أي مقبرة يدفنون، ومن سوف يبكي عليهم؟
لم يتصور شاعرنا الكبير نزار أن المتوسط سيكون يوما قبرا من ماء للسوريين ولا أحد يبكي عليهم.