من خان شيخون إلى بوتشا… الإجرام وذر الرماد في العيون

خراب ومجازر في توتشا الأوكرانية
خراب ومجازر في توتشا الأوكرانية

عن القدس العربي

الحروب البوتينية في الشيشان وجيورجيا وسوريا، وأوكرانيا لم يختلف فيها النمط المتبع: الأرض المحروقة يدفع ثمنها البشر قبل الحجر.

وهذا النمط من الإبادة جاء دائما بعد فشل، وكأن النصر يجب تحقيقه بأي ثمن لإثبات أن الجيش الروسي لا يقهر، وفي الوقت نفسه تقديم بوتين كصانع لأمجاد روسيا ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي لضمان كرسي الرئاسة بجدارة إلى ثلاثينيات القرن الحالي، والدخول إلى تاريخ روسيا كقيصر باني روسيا ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي المدوي، ويفوق كبير القياصرة بطرس الأكبر باني روسيا الحديثة.

الصور التي بثتها وكالات الأنباء عن الأعمال الإجرامية التي يرتكبها الجيش الروسي في أوكرانيا، والفظائع التي ظهرت في بوتشا لا تختلف عن ما اقترفه هذا الجيش في الشيشان، وجيورجيا وسوريا بعد أن فشل في البدايات من السيطرة على المنتفضين في الشيشان باستخدام سياسة الأرض المحروقة التي سوت العاصمة الشيشانية غروزني بالأرض، وفي تركيع جيورجيا، وبعد فشل حليفه رئيس النظام السوري بشارالأسد الذي أجرم لسنوات بحق الشعب السوري المنتفض ضده، وارتكب مجازر مروعة في أكثر من مدينة وبلدة سورية.

الفشل في أوكرانيا

أعطى فلاديمير بوتين، وخاصة في الآونة الأخيرة الانطباع أن الجيش الروسي هو ثاني أكبر قوة في العالم، وأن الصناعة الحربية الروسية باتت متقدمة في ابتكاراتها في الصواريخ العابرة للصوت عدة مرات، وأخرى يمكن أن تدمر الأقمار الصناعية على مثيلتها في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يتوان عن إظهار سخريته من أمريكا التي تدين تجارب صواريخه أنها، أي أمريكا “إذا كانت تخاف على أمنها فنحن مستعدون لبيعها هذه الصواريخ”. لكن بوتين الذي نجح في قمع الشيشانيين، وفي حربه ضد جيورجيا، وإنقاذ حليفه في سوريا، بدا وبعد عدة أسابيع من غزوه أوكرانيا، أن آلته العسكرية ليست بهذه الصفة التي أراد أن يظهرها للعالم، وأنه فشل في السيطرة على أوكرانيا واحتلال عاصمتها بعد أن كان يعتقد أن الجيش الروسي سيذهب في نزهة ربيعية لمدة يومين أو بعض أكثر قليلا لتكون أوكرانيا كالشيشان وجيورجيا وسوريا في قبضة روسيا، وليشرب الغرب بأكمله البحر الأسود.

حسابات البيدر والحقل

جاءت حسابات بيدر أوكرانيا مخالفة تماما لحسابات الحقل التي وضعها بوتين في مخيلته، فجيشه الذي لا يقهر فشل في اقتحام أسوار كييف، والسيطرة على مدينتي ماريوبول وخيرسون.

فالأوكرانيون أظهروا شجاعة وعزما وتصميما لم تكن في الحسبان، فكان دفاعهم عن عاصمتهم ورمز دولتهم مثيرا للإعجاب، ولا شك أن هذه الملحمة ستكون درسا قاسيا للروس، ومفخرة لتاريخ أوكرانيا على مدى الدهر.

وهذا الفشل في تحقيق حسابات البيدر كما تصورها بوتين دفعته أيضا إلى ارتكاب المجازر وجرائم الحرب، كعادته كما فعل في سوريا والشيشان. لكن أوكرانيا تختلف عن المغامرات البوتينية السابقة، فالغرب الذي لم يتدخل في الشيشان باعتبارها مسألة داخلية، وعجز عن فرض موقفه في جيورجيا، وصمت على انتهاك سيادة أوكرانيا على جزيرة القرم من قبل بوتين التي جال في مياهها زاهيا أمام أعين الغرب الصامت، وتخاذل في نصرة الشعب السوري ضد الغزو الروسي وارتكابه المجازر بحقه، هب هذه المرة لنجدة أوكرانيا بكل وسائله المتاحة بدون التورط في اشتباك مع القوات الروسية، وهذا ما لم يفعله في سوريا التي فاقت فيها مجازر بوتين والأسد مئات المرات عن مجزرة بوتشا.

الذكرى الخامسة للمجزرة الكيميائية

تتزامن الذكرى الخامسة لمجزرة خان شيخون الكيميائية التي ارتكبها نظام الأسد المجرم بغاز السارين، في 4 نيسان/أبريل 2017 والذي استخدمت فيها قوات النظام السوري غاز السارين وأسفرت عن مقتل أكثر من مئة شخص، بينهم 32 طفلاً و23 امرأة وثيرت الشبهات حول تورط الجيش الروسي في تزويد النظام السوري بالأسلحة الكيميائية مع مجزرة بوتشا الأوكرانية.

وتصادف أيضا الذكرى الرابعة للهجوم الكيميائي على مدينة دوما في السابع من نيسان/ أبريل 2018 كذلك التي استخدم فيها الأسلحة الكيماوية والذي أودى بحياة العشرات، واتهم النظام المعارضة بالقيام بها، وسبق أن استخدم غاز السارين في هجومه على غوطة دمشق في آب/أغسطس 2013، ما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص.

واتهم الأسد المعارضة بالقيام بها على لسان مستشارته السياسية بثينة شعبان التي قالت دون أن يرف لها جفن: “إن المعارضة جلبت 500 طفل من جبال العلويين إلى الغوطة لتقتلهم بغاز السارين”

ولم تنته المجازر فصولا بل تكررت في أكثر من موضع: في خان العسل وأماكن عديدة أخرى استخدم فيها غاز الكلور والتي أدت إلى مقتل الآلاف والمصابين. هذه الذكريات الأليمة التي أدمت قلوب ذوي الضحايا، وأثارت موجة سخط سورية ودولية تتزامن مع مجزرة بوتشا ولطمس الحقيقة كما كان يفعل الأسد التلميذ النجيب لأستاذه بوتين، عزا ما جرى ويجري على الساحة السورية بالمؤامرة الدولية ضد “سوريا الممانعة” عزا بوتين الحملة التي يشنها الغرب استنكارا للفظائع التي يرتكبها جيشه في أوكرانيا للمؤامرة الدولية ضد روسيا.

حرب مرتزقة بالوكالة

كي يخفي ويخفف بوتين عدد القتلى الروس أمام الشعب الروسي لجأ إلى “حليفيه المخلصين” اللذين أنقذهما سالفا رئيس الشيشان المعين من قبله رمضان قديروف، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، ليردا الجميل بإرسال دفعات من الميليشيات المرتزقة للاشتراك في غزو أوكرانيا وقد تم اختيار الآلاف من الميليشيات المختلفة التابعة للنظام السوري.

وتم تدريبهم تحت إشراف ضباط روس في معسكرات سورية على القتال والتدمير التي باتت “مهنة الموت المدفوع سلفا” مقابل دولارات ربما تصل إلى ألف دولار شهريا لشباب لا يصل راتبه الشهر إلى 25 دولارا شهريا، وهذا يشابه أيضا ما فعله قديروف في الشيشان.

الغرب اليوم أمام امتحان صعب في الأخلاق الدولية لأنه هب بقضه وقضيضه لاستغاثة أوكرانيا ضد غزوها من قبل بوتين، وأعلن نيته عن اتهامه بجرائم حرب ويطالب بمحاكمته، في حين صمت أمام كل المجازر الكيميائية التي ارتكبها النظام السوري، فسياسة الكيلين والمعيارين لم تعد تخفى على الناس، والمبادئ الإنسانية التي تضمنها شريعة الأمم لا يمكن أن تجزأ.