كما وقع في سورية بعد ثورتها المجيدة من قتل للمتظاهرين المطالبين بالحرية من نظام طائفي، فاسد، مجرم بحق شعبه، يقوم الجيش السوداني ومنذ انطلاقة ثورة الشعب السوداني وإسقاط عمر البشير آخر ديكتاتور يسقط على يد الثوارة، بقتل المتظاهرين في كل مرة يتجمهورون في شوارع المدن السودانية بأمر من قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان. ويعتبر السودان، ربما البلد الأكبر في الوطن العربي قبل التقسيم، بلدا متعدد الطوائف والأعراق والقبائل، وهو مجتمع قبلي بامتياز، وما يميزه عن باقي البلدان العربية أن جزءا من مكوناته من قبائل إفريقية (الدينكا، النوير، الشلك، الزاندي، الفور..) ومئات القبائل الأخرى من عربية وإفريقية ونوبية، وهي متعددة اللغات والديانات والمعتقدات (إسلام، مسيحية، وثنية).الرئيس المخلوع عمر البشير الذي قاد انقلابا بتحالف حزبه ( حزب المؤتمر الوطني) مع الجبهة القومية الإسلامية برئاسة الراحل حسن الترابي، ضد الحكومة المنتخبة برئاسة الصادق المهدي في العام 1989.وشهدت فترة حكمه حروبا داخلية متعددة وطويلة بدأت من حرب الشمال والجنوب الذي انفصل في العام 2011 باستفتاء شعبي قامت به الأمم المتحدة، ثم حرب دارفور التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من قبائل الفور والبقارة.وارتكب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، قبل أن ينقلب أيضا على حليفه حسن الترابي، ومطلوب من محكمة الجنائية الدولية. الشعب السوداني الذي أسقط حكم البشير نادى بالحرية والديمقراطية والحكم المدني، وتسلم عبد الفتاح البرهان قيادة المجلس العسكري الانتقالي مع تشكيل حكومة مدنية برئاسة عبد الله حمدوك، لكن سرعان ما انقلب على الحكومة المدنية في ما سماه “حركة تصحيحية” شبيهة بحركة حافظ الأسد في سوريا، بعد تدخل دول الثورات المضادة. لكن الشعب السوداني رفض الانقلاب على الحكومة المدنية وخرج بالآلاف في الشوارع كما خرج السوريون في الأمس، وواجهتهم قوات النظام العسكري بالرصاص. هذا الانقلاب الذي لم يؤيده سوى إسرائيل التي قامت سابقا بعملية تطبيع مع البرهان، لكن الدول الغربية بشكل عام دانت الانقلاب وخاصة الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، وطالبت البرهان بالعودة إلى المسار الديمقراطي والحكومة المدنية. واتهمت أكثر من جهة دولية وإعلامية أن دول الثورات المضادة كانت وراء الانقلاب. لأنها لا تريد للشعوب العربية أن تتمتع بالحرية، فهذه الكلمة التي تعتبرها أنظمة الثورات المضادة داء مخيفا وتخشى من انتشارها، لا تجد دواء لها سوى البسطال العسكري.